القيم في ضوء سورة الكهف ( 5-1) 

ذكر المفسرون في المناسبات في سورة الكهف أن قصة موسى والخضر عليهما السلام تتعلق بالهدف الأساسي لسورة الكهف من حيث الاستنكار على اليهود الذين زودوا وفد قريش بأسئلة تعجيزية ليتثبتوا –حسب زعمهم- من صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم فسيقت لهم الحادثة؛ أن هذا المنهج ليس منهجاً صحيحاً في التثبت من صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا موسى عليه السلام من أعظم أنبياء بني إسرائيل وأكرمهم على الله تعالى، قد جهل ثلاث مسائل واحتاج إلى من يعلمه إياها، ولم يؤثر ذلك على مكانته العظيمة وفضله وكونه من أولي العزم من الرسل.

فالقصة وثيقة الصلة –من هذه الزاوية- بهدف سورة الكهف وهو إثبات الرسالة وبيان صدق الرسول.

ما مدى صلة هذه القصة بالعنوان (القيم في ضوء سورة الكهف)؟

هذه القصة تمثل جانباً مهماً في الزاوية التي نتناول منها السورة، فهي تمثل قيمة العلم الحقيقية، وتسوق نموذجاً فريداً لما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم والعالم من صفات، وحقيقة العلم الذي يحرص عليه وثمرته.

قصة أصحاب الكهف تناولت قيمة السلطة والسلطان.

قصة صاحب الجنتين تناولت قيمة المال

وهذه القصة تناولت قيمة العلم وحقيقته.

ما أوجه المناسبة بين هذا المقطع وسابقه؟

ذكر المفسرون أوجهاً كثيرة اكتفي بذكر واحد منها وثيق الصلة؛ ذكر في المقطع السابق بعض وسائل المعرفة في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً)

إن وسيلة الإدراك الأصليه في الإنسان هو القلب الذي انفرد به الإنسان من بين سائر المخلوقات.

ونقصد بالقلب هو تلك الملَكَة المعنوية التي يستطيع الإنسان بواسطتها التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب، وهي وسيلة التحليل والتركيب والاستنباط والإقناع، وهي التي جاء التعبير عنها باللب والعقل والفؤاد والقلب، وهي التي تأتيها الغشاوة والران، أو الإبصار والإشراق، وهي المرادة بقوله تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

ولهذه الملَكة صلة وثيقة بالقلب المادي المكون من اللحم، وبالمخ في الرأس المكون من النخاع والأعصاب.

وهذا القلب يستمد معلوماته الأولية عن طريق الحواس الخمس وعلى رأسها السمع والبصر، فبعد ذكر وسائل المعرفة في المقطع السابق ذكر هنا علماً لا يخضع لوسائل المعرفة المعهودة عند الناس، وإنما هو علم من الله سبحانه وتعالى يقذفه في قلوب بعض عباده وأصفيائه؛ إما إلهاماً أو وحياً، لذا جاء تعظيم هذا العلم بإسناده إلى ضمير العظمة مع التأكيد عليه بالمؤكدات العديدة فقال (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً).

سورة الكهف تشتمل على أربع قصص فريدة، وحتى قصة موسى عليه السلام تعتبر فريدة من وجه؛ لأنها تتعلق بالسيرة الذاتية لموسى عليه السلام وبمداركه العلمية وتلمَذَته على الرجل الصالح الذي علمه ربه من لدنه علماً، أما قصص موسى عليه السلام الأخرى فتدور حول أوضاع بني إسرائيل ومهمة تبليغهم رسالات ربه والمتاعب التي كان يقاسيها معهم.

والملاحظ أن أسلوب القرآن الكريم في كثير من قصصه إغفال جزئيات كثيرة إما لعدم تأثيرها في السياق والعبر المستقاة من القصة، أو تشويقاً للسامع وإفساحاً لمجال فكره وخياله كي يملأ تلك الفجوات بالاحتمالات التي تخطر على باله، وفي ذلك تنشيط للذهن وإثارة للتساؤلات لمتابعة الأحداث .

ويبرز هذا في قصة موسى والخضر عليهما السلام في صور مختلفة :

-      فالدافع لموسى عليه السلام في اتخاذ قرار بالسفر إلى مجمع البحرين لا وجود له في ثنايا القصة .

-      المكان الذي كان من الانطلاق مجهول، وكذلك مكان اللقاء بالعبد الصالح وزمانه ، وكذلك زمان الحادثة هل كان قبل خروج بني إسرائيل من مصر أو بعد الخروج ، وهل وقع قبل التيه أو أثناءه.

-      وهذا الفتى الذي رافق موسى عليه السلام من هو؟ ما دوره في مجريات الأحداث؟ وما مصيره بعد اللقاء؟

-            والعبد الصالح ما حقيقته؟ أ نبي مرسل؟ أو ولي مكرم؟ أو عالم مطلع؟ وما وجهته؟ وما مصيره بعد الفراق؟

ولولا أن السنة النبوية أكملت جوانب وألقت الأضواء على بعض التفصيلات لما وجدنا إلى العلم الصحيح سبيلاً .

يتبع في الحلقة القادمة ما جاء في السنة عن قصة موسى والخضر عليهما السلام

                                              بقلم/ د. وفاء العساف  

 



بحث عن بحث