ج)  بناء المجتمع الصالح، والمجتمع الصالح هو الذي يرتبط أفراده وأسره بقيم الإسلام العليا ومبادئه المثلي،  والمتمثلة في:

     1التجمع علي العقيدة الإسلامية، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(1)، وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(2).

 وقال صلي الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)(3).

     2-  احترام العمل الصالح، قال تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(4)

 وروي مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلي الصلاة صدقة، وتميط الأذي عن الطريق صدقة)(5)

 وروي الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (من أمسي كالا من عمل يده أمسي مغفورا له)(6). 

 3-  الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)(7).

 وروي مسلم عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)(8)

     4-  الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)(9)، وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ)(10).

 وروي النسائي عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (جاهدوا بأيديكم وألسنتكم وأموالكم)(11)

     5-  تثبيت الفضائل الخلقية في شتي جوانب الحياة، وهذه الفضائل هي:

          أ-  الإخاء والمحبة، قال صلي الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(12)

         ب-  التعاطف والتراحم، قال صلي الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكي منه عضو، تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي)(13).

         ج-  التساند والتعاون، قال صلي الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)(14)

          د-  التكافل والتضامن، قال صلي الله عليه وسلم: (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا علي عري، كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما علي جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقي مسلما علي ظمأ، سقاه الله عز وجل من الرحيق المختوم)(15)

          ه - التواصي والتناصح، قال صلي الله عليه وسلم: (الدين النصيحة . قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(16)

          و-  التطهر والترقي، قال صلي الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن  أو تملأ  ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبايع نفسه، فمعتقها أو موبقها)(17)

          ز-  العدالة، قال صلي الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله علي منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)(18)

         ح-  التقدم، عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو علي المنبر، يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)(19)

 

 د)  بناء الأمة المسلمة الصالحة:

   من أهداف التربية في السنة تكوين أمة متميزة، تطبق رسالة الإسلام، وتؤسس حياتها علي عقيدته وشريعته ومثله، وتربي أجيالها علي هداه، وتحمل رسالته إلي العالم كله، فتحمل معها الرحمة والنور والخير للبشرية كلها، كما قال الله لرسوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(20).

  وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(21) قال: (أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها علي الله)(22).

  وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم، فمن أدرك ذاك منكم:  فليتق الله،  وليأمر بالمعروف،  ولينه عن المنكر، ومن يكذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)(23).

 وتكوين هذه الأمة يتطلب مقومات اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وصحية ...وغير ذلك من المقومات التي يحتاجها المجتمع المسلم، وكلما قويت هذه المقومات زادت قوة الأمة، فازدادت قدرتها علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واتسع نطاقها في نشر الإسلام، وهذه الأهداف الاجتماعية يمكن طرحها في النقاط التالية:

   1-  أمة عابدة لله تعالى، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(24).

   2 - أمة تنشر الإسلام وتدعو إليه، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)(25).

   3-  أمة تطبق حدود الله تعالى، لقوله تبارك وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)(26)

   4 - أمة متعاونة علي البر والتقوي، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(27)

   5-  أمة تشيد حضارة إسلامية في جوانب متعددة، من أبرزها ما يلي:

      أ-  في الجانب الاقتصادي: الذي يظهر من خلاله قدرة الاقتصاد الإسلامي في منهجه وواقعه علي تحقيق التنمية الاقتصادية الصالحة، ويبين من خلال تطبيقه عدالته، وافتقار البشرية إليه، ولا سعادة لها إلا به .

     ب-  الجانب الإداري: وهو الجانب التنظيمي والتخطيطي الذي ينظم شؤون الأمة وحياتها علي منهج الله تعالى، فيتبين من خلال تطبيقه عدالة وشمول منهجه، وأنه لا صلاح للبشرية إلا فيه وبه .

     ج-  الجانب الأخلاقي: الذي يتضح من خلاله، السلوك المستقيم لهذه الأمة، والذي يتوافق مع فطرتها، ويحقق لهل سعادتها في التعايش وفي المعاملات وفي جميع الجوانب .

      د-  الجانب العمراني: الذي يتضح من خلاله عناية واهتمام التربية الإسلامية بعمارة الأرض، لتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا، كما يسعي لتحقيقها في الآخرة من خلال الاهتمام بالجانب العقدي والتعبدي .(28)

  هذه هي الأهداف الخاصة للتربية في السنة إجمالا، وسوف يأتي تفصيلها في الحديث عن ميادين التربية وجوانبها ومجالاتها فيما بعد إن شاء الله تعالى .

 


 

(1)     سورة الحجرات / 10 .
(2)     
سورة التوبة / 71 .
(3)     أخرجه البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم السلم المسلم ولا يسلمه، رقم (2442)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم (6578) .
(4)     سورة التوبة / 105 .
(5)     صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان ان اسم الصدقة يقع علي كل نوع من المعروف، رقم (2335) .
(6)     قال الهيثمي في المجمع (6238): رواه الطبراني في الأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير (8532) للطبراني في الأوسط ورمز له بالضعف .
(7)     سورة آل عمران / 104 .
(8)     صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان .......، رقم (179) .
(9)     سورة الحجرات / 15 .
(10)     سورة الحج / 78 .
(11)     سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب من خان غازيا في أهله، رقم (3194)، وأخرجه أحمد (3 / 153، 251) والحاكم (2 / 81) وصححه .
(12)     أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل علي أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، رقم (170) .
(13)     أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم (6586) .
(14)     أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم (6585) .
(15)     أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء، رقم (1682)، والترمذي، كتاب صفة القيامة، باب في ثواب الإطعام والسقي ...،رقم (2449) وقال: هذا حديث غريب، وقد روي هذا عن عطية عن أبي سعيد الخدري موقوفا، وهو أصح عندنا وأشبه .وقال المنذري في مختصر السنن (2 / 256): في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني، وقد أثني عليه غير واحد، وتكلم عليه غير واحد .
(16)     أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، رقم (196) .
(17)     أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم (534) .
(18)     أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الأمير العادل .....رقم (4721) .
(19)     أخرجه مسلم، كتاب الجهاد، باب فضل الرمي والحث عليه، رقم (4946) .
(20)     سورة الأنبياء / 107 .
(21)     سورة آل عمران / 110 .
(22)     أخرجه الترمذي، كتاب التفسير، باب ومن سورة آل عمران، رقم (3001)، وقال: هذا حديث حسن .
(23)     أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب في لزوم تقوي الله عند الفتح والنصر، رقم (2257)، وقال: هذا حديث حسن صحيح .
(24)     سورة الذاريات / 56 .
(25)     سورة آل عمران / 104 .
(26)     سورة المائدة / 44 .
(27)     سورة المائدة / 2 .
(28)     أصول التربية الإسلامية / للدكتور خالد الحازمي 255  256 .



بحث عن بحث