ما بعد الحج، وفي نهاية العام

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من الأهمية الكبرى لمسيرة الإنسان في هذه الحياة أن يقف عند محطات وقوف لينظر في سلامة مسيره فيما مضى، وينظر إلى المواضع الإيجابية، فينميها، وإلى المواضع السلبية فيعالجها، وكذلك ليتبصر مسيرته المستقبلية.

وما يقال عن الإنسان في أهمية وقوفه في هذه المحطات يقال عن المؤسسات، والمشاريع أيا كانت.

ومن هنا يتحتم علينا الوقوف مع هذه المحطات، وأعني به أهمية المحاسبة للإنسان نفسه، ولعمله، وللمؤسسة نفسها، ولمن يكون مسؤولاً عن هذه المؤسسة لا نختلف على أهمية القيم، والمثالية، في المسيرة الحياتية، أو مسيرة البناء.

لكن الاعتماد على هذه القيم دون إضافة التقويم والمحاسبة في برنامج الإنسان، أو برامج المؤسسات لا يشك أحد يرنوا إلى تحقيق أهدافه، أن هذا الاعتماد لا يكفي، بل هو نقص قد يودي إلى الوقوع في أخطاء فادحة، أو على الأقل إلى تأخر في تحقيق الأهداف المرجوة من كل مؤسسة، وعدم التصحيح للأخطاء، والاستمرار فيها، وضعف التجديد في المسيرة، وعدم معالجة المشكلات التي تنشأ أو تطرأ في تلك المسيرة...

كل هذا يدعونا إلى إبراز قيمة المحاسبة، والتقويم للإنسان مع نفسه، أو للمؤسسة مثلاً في إدارتها، أو من جهة خارجية عنها لتكون متجردة عن العواطف التي تسيطر على عمل المؤسسة.

 

*   *   *

 

في كتاب الله تعالى يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ) ، وفي الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ).

 

*    *    *

هذه النصوص تأصيل للمبدأ نفسه، مبدأ التقويم والمحاسبة، لكي يقدم الإنسان منتجاً نهائياً مفيداً للدنيا، وللآخرة.

وننطلق  من التأصيل إلى بعض التطبيقات الواقعية في أحوال كثير منا ، وأحوالنا.

* في كثير من تعاملنا مع الشعائر العبادية تلحظ تأخر أو تباطؤاً لا مع المستحبات فحسب بل مع الفرائض، والمشكلة أن ترى إصراراً على الوقوع في هذه الملحوظات. ومن أهم أسباب ذلك هو عدم المحاسبة لأعمال الإنسان نفسه.

* في كثير من أعمالنا الوظيفية، أو التجارية تلحظ أنواعاً من التقصير، أو التباطؤ، أو التأخر، ومن ثم ضعف الإنتاجية، وقلة المنتج الصحيح والسليم، ومن أمثلة ذلك: لك أن تطلع على معدل عمل ساعات الموظفين العامة فبعض الإحصاءات لا تزيد المعدل عن ساعتين.

ومثله: بعض معاملات التجار في بيعهم وشرائهم، وكم يقعون في مشكلات مالية ، أو خلافات يصعب حلها .

* في كثير من ممارساتنا لشؤون الحياة حدِّث ولا حرج عن تخبط في تقسيم الوقت ، أو التعامل مع الآخرين ، أو التعامل مع البيئة وشؤونها .

* بل في كثير من تعاملنا الأسري مع الزوجة ، والوالدين ، والأولاد تجد أنواعاً من الخلل ، وضعفاً وفتوراً في العلاقات ... وسبب رئيس من أسباب ضعف المنتج ، وتلك الأخطاء ... وتراكم المشكلات هو عدم وجود المحاسبة والتقويم ، أو ضعفه إن وجد ، أو عدم العمل بالنتائج المبنية على التقويم والمحاسبة .

 

*    *    *

 

إن من الخير العظيم : التأمل في هذا المبدأ الحياتي العظيم ، الذي تم تأصيله في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة .

أقول : من الخير العظيم التأمل فيه على مستوى الفرد نفسه أو على مستوى الأسرة ، أو مستوى المؤسسات الحكومية أو الخيرية ، أو الاجتماعية ، أو مستوى المجتمع بأسره .

ولعل – من باب التبسيط والتسهيل– أعرض لعدد من الأسئلة تعين في عملية التقويم:

- ما برنامجي اليومي والأسبوعي والشهري ؟

- ماعملي الأساس ؟

- ما أهم مقررات وظيفتي الأساسية ؟

- مامقدار المنتج في عملي ؟

- هل أديت واجباتي اليومية ؟

- هل أديت واجباتي الأسرية ؟ تجاه الوالدين – أحياءً وأمواتاً – وتجاه الزوجة أو الزوج ؟ وتجاه الأولاد ؟ والعائلة بعامة ؟

- هل كنت مواظباً على واجباتي الشرعية ؟ ومامقدار التقصير فيها ؟

- ما الحلول التي قدمتها لمشكلاتي في العمل ؟

- هل تعاملي المالي سليم ووفق ما شرع الله ؟

- هل خطتي للمستقبل متفقة مع عملي الآن ؟

- هل أهدافي محررة وواضحة ؟

من المقصر ؟ وما مقدار التقصير في الموظفين والعمال الذين تحت إدارتي ؟

- هل عقدت ورشة عمل في بيتي ؟ أو في مجال عملي لبحث نقاط الضعف والقوة ؟ ومن ثم وضع الخطط المناسبة للمستقبل ، وعلاج ما يحتاج إلى علاج.

 

*    *    *

 

هذه نماذج للأسئلة – ولا يلزم أن تطبق على كل شخص أو في كل مجال ، ولا يلزم على هذا الترتيب .. وإنما المقصود أن توجد المحاسبة والتقويم .

إنها خطوة ليست مهمة فحسب بل بمنتهى الضرورة ، وماوجود مناطق الخلل في حياتنا ومجالات أعمالنا ووظائفنا إلا لضعف هذه القيمة العالية في مسيرتنا في هذه الحياة .

ومن هنا أجدها فرصة عظيمة ونحن نوشك على ختام عام هجري ، وبعد انصراف من شعيرة الحج العظيمة التي كانت مدرسة عظيمة روحية وبدنية ونفسية ، وقد تجرد فيها الحاج من الشوائب القلبية والعملية .

أجدها فرصة لأن نتواصى – أفراداً وأسراً ومؤسسات – على هذا المبدأ لتصحيح الأخطاء ، ونعالج مواضع الخلل ، ونرتقي بالمنتج ، ونسعى للنماء ، ونقلل المشكلات ، ونستفيد من كل المقدرات ، ونسعد في دنيانا وأخرانا .

حري بالعاقل أن يصارح نفسه أياً كان موقعه ، فالله سبحانه وتعالى منحنا الامكانات و القدرات ، والتفريط فيها يوقع الندم إن عاجلاً أو آجلاً .

 

وفق الله الجميع وسدد الخطى



بحث عن بحث