منهج أتباع التابعين باختصار

 

ونستطيع مما سبق أن نلخص منهج أتباع التابعين في أمور ثلاثة :

الأول/ أنهم نقدوا الإسناد والمتن :

كانوا يحفظون الروايات ويقارنون بعضها ببعض، وقد أكسبهم ذلك خبرة تامة في نقد المتون، وبصيرة ناقدة في أحوال الرواة .

 

الثاني/ أنهم كشفوا عن الكذابين وحذروا الناس منهم :

لقد تتبعوا الكذبة في كل مكان، وكشفوا عن أحوالهم، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم عن تجريحهم والتشهير بهم ورع ولا حرج، وحذروا الناس من سمومهم حتى أصبح عند عوام الناس وعي جيد يميزون به بين المتطفلين على الحديث وأهله ورجاله الثقات، يدل على هذا ما رواه الحافظ بن حجر عن يزيد بن هارون قال : ( كان جعفر بن الزبير وعمران بن حدير في مسجد واحد مصلاهما، وكان الزحام على جعفر بن الزبير، وليس عند عمران أحد، وكان شعبة يمر بهما فيقول : يا عجبا للناس !! اجتمعوا على أكذب الناس، وتركوا أصدق الناس، قال يزيد فما أتى عليه قليل حتى رأيت ذلك الزحام على عمران، وتركوا جعفر وليس عنده أحد )(1).

 

الثالث/ أنهم بينوا من تقبل روايته ومن لا تقبل :

يدل على ذلك قول الإمام مالك المتقدم : لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ مما سوى ذلك : لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا أتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث(2).

وقيل لشعبة بن الحجاج : ( متى يترك حديث الرجل ؟ قال : إذا روى عن المعروفين مالا يعرفه المعرفون فأكثر، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثا غلطا مجتمعا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه، طرح حديثه ، وما كان غير ذلك فارووا عنه )(3).

وبهذا المنهج الفريد حفظ الله السنة في عصر اتباع التابعين كما حفظها من قبل في عصر الصحابة والتابعين .

 

 


(1) تهذيب التهذيب : ج 2ص 91( ترجمة جعفر بن الزبير ) .

(2) الجرح والتعديل : ج 1ص 32.

(3) نفس المصدر والموضع .



بحث عن بحث