التعريف بابن حبان وصحيحه (5)

وفاة ابن حبان :

وبعد حياة حافلة بالعطاء ، قضى جلها في الأسفار ، وملأ ساعاتها بالطلب والسماع والاملاء والاستملاء ، وعمر أيامها بالتأليف والتصنيف ، وتعرض فيها لمحن وأحداث ، شاء الله أن يرجع ابن حبان إلى مسقط رأسه " بست " ليمضى فيها بقية عمره ، ويوافيه أجله وهو بين أهله وأصحابه وطلابه ، وذلك ليلة الجمعة لثماني ليال بقين من شوال سنة 354 هـ ، ودفن بعد صلاة الجمعة في الصفة التي ابتناها قرب داره ، قال ياقوت : وقبره ببست معروف يزار إلى الآن .(1)

مؤلفات ابن حبان:

إن الناظر في مؤلفات ابن حبان يجد أنه لم يكن حاطب ليل ، ولا ناقلا للنصوص من هنا وهناك لجمعها في مكان واحد فحسب ، وإنما يلحظ من خلال تآليفه عقلا محققا ، وفكرا عميقا ، ونظرا ثاقبا ، كان يشبع المسائل بحثا وتمحيصا ودراسة واستقصاء واستنباطا ، وتصانيفه تشهد على تلك الجهود العظيمة ، والمعاناة الشديدة التي بذلها لإخراج مصنفاته .

 وهذا ما دعا ياقوت إلى القول كما سبق : "أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره"

وشهد بذلك أيضا تلميذه الحاكم فقال : " صنف فخرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق إليه"

 وليس أدل على إبداعه ومعاناته في التصنيف من كتاب " التقاسيم والأنواع " فقد وصل في إبداعه إلى درجة من الإغراب لم يستطع الناس معها تمثل طريقته ، ولا التكيف مع منهجه في تأليفه .

وهذا كتاب آخر من مصنفاته الغزيرة هو " الهداية إلى علم السنن " يقول عنه ياقوت : "هو كتاب قصد فيه إظهار الصناعتين اللتين هما صناعة الحديث والفقه ، يذكر حديثا ، ويترجم له ، ثم يذكر من يتفرد بذلك الحديث ، ومن مفاريد أي بلد هو ، ثم يذكر كل اسم في إسناده من الصحابة إلى شيخه بما يعرف من نسبته ومولده وموته وكنيته وقبيلته وفضله وتيقظه ، ثم يذكر ما في ذلك من الفقه والحكمة ، فإن عارضه خبر ذكره ، وجمع بينهما ، وإن تضاد لفظه في خبر آخر ، تلطف للجمع بينهما حتى يعلم ما في كل خبر من صناعة الفقه والحديث معا " ، قال ياقوت : "وهذا من أنبل كتبه وأعزها" .

وهاك مصنفا آخر يكشف عن تلك المعاناة التي ينوء بها العصبة من الرجال ، إنه كتاب " شعب الإيمان " يذكر لنا ابن حبان كيف صنفه فيقول : إنه تتبع حديث أبي هريرة " الإيمان بضع وسبعون شعبة " مدة ، فجعل يعد الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا فرجع إلى السنن فعد كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان ، فإذا هي تنقص عن البعض والسبعين ، فرجع إلى كلام الله ، فتلاه بالتدبر وعد كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان ، فإذا هي تنقص أيضا ، فضم الكتاب إلى السنن ، وأسقط المعاد ، فإذا كل شيء عده الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة ، لا تزيد عليها ولا تنقص ، قال : فعلمت أن المراد هذا الذي في الكتاب والسنة .

فكيف إذا ضممت إلى كتبه هذه كتبا لا تقوم لولا المعاينة والمعالجة والدراسة ، كما يظهر ذلك من عناوينها وهذه بعضها :


(1) معجم البلدان 1/ 419 ـ السير 16 / 102



بحث عن بحث