الأدلة من الكتاب والسنة على عدالة الصحابي

 وقد أثبت العلماء عدالة الصحابة بالنصوص من الكتاب والسنة والآثار المشتملة علي دلالة العقل ثم دلالة واقع جهادهم وتضحياتهم وروايتهم الثابتة .

 أما الاستدلال بالقرآن : فيقررها أهل السنة بأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن ، فمن ذلك قوله تعالي : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(1) وقوله تعالي : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )(2) وهذا اللفظ كان عاما ، فالمراد به الخاص ، وقيل هو وارد في الصحابة دون غيرهم . وقوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ )(3). وقوله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )(4)

 أما السنة : فقد استدلوا بأحاديث منها

 1 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته )(5)

 2 - عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه ، قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلنا : لو جلسنا حتي نصلي معه العشاء ، قال : فجلسنا ، فخرج علينا فقال : ( ما زلتم ههنا ؟ ) قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا : نجلس حتي نصلي معك العشاء ، قال : ( أحسنتم وأصبتم ) قال : فرفع رأسه إلي السماء ، وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلي السماء ، فقال : ( النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتي السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتي أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون )(6)

 ففي هذين الحديثين دلالة واضحة علي أن الصحابة عدول علي الإطلاق حيث شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية المطلقة ، كما أخبر بأنهم أمان للأمة من ظهور البدع والحوادث في الدين ، ولا يخبر صلى الله عليه وسلم بهذا إلا لمن كانوا عدولا مستقيمين علي الصراط المستقيم .

 3 - عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : ( ......ألا ليبلغ الشاهد الغائب ) (7)

 وجه دلالة الحديث على عدالة الصحابة رضي الله عنهم : أن هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم جمع من الصحابة في حجة الوداع ، وهذا من أعظم الأدلة علي ثبوت عدالتهم ، حيث طلب منهم أن يبلغوا ما سمعوه منه من لم يحضر ذلك الجمع دون أن يستثني منهم أحدا .

 قال ابن حبان : ( وفي قوله صلى الله عليه وسلم  " ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب " أعظم دليل علي أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف ، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثني في قوله صلى الله عليه وسلم وقال : " ألا ليبلغ فلان منكم الغائب " فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك علي أنهم كلهم عدول ، وكفي بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا )(8)

 والأحاديث غير ذلك كثيرة .

 قال الإمام الخطيب البغدادي : ( والأخبار في هذا المعني تتسع ، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة ، والقطع علي تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالي لهم  المطلع علي بواطنهم إلي تعديل أحد من الخلق لهم ، فهم علي هذه الصفة إلي أن يثبت علي أحدهم ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل ، فيحكم بسقوط عدالته ، وقد برأهم الله تعاليــ الكفاية من ذلك ، ورفع أقدارهم عنه )(9)

 وأما دلالة العقل والآثار : فيقول فيها الخطيب :

 ( على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها - من الهجرة والجهاد والنصرة ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين - القطع علي عدالتهم ، والاعتقاد بنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون بعدهم أبد الآبدين ، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقولهم من الفقهاء )

 ثم عقب بقول أبي زرعة الرازي : ( إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدي إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولي وهم زنادقة )(10)

 وكلها استدلالات صريحة ناطقة بعدالة الصحابة يضاف إليها الاستشهاد بدلالة الواقع في مرويات الصحابة كما دل عليه أسلوب هو في البحث العلمي من وسائل المعرفة القاطعة ، وهو ما يسمي في مناهج البحث وعلم المنطق ( الاستقراء التام )

يقول العلامة المعلمي اليماني : ( إن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر عنه وعرضوها علي الكتاب والسنة ، وعلي رواية غيرهم ، مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم (11)، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة ، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ، ممن لا تتجه إليه تهمة ، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له )(12)

 ويضيف الدكتور نور الدين عتر قائلا : ( وأشهد أنه من خلال استقرائي لألوف تراجم الرواة والمرويات الضعيفة التي ذكرت في كتب الضعفاء فإنه لم يوجد حديث قط يحكم فيه بما يخل بهذا المبدأ عن الصحابة بصورة ما )(13)


(1)  سورة آل عمران / 110 .

(2)  سورة البقرة / 143 .

(3)  سورة الفتح / 18 .

(4)  سورة الفتح / 29 .

(5)  أخرجه الخاري ، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( 3651 ) ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ( 6469 ) .

(6)  أخرجه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه ... ( 6466 ) .

(7)  أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب ليبلغ الشاهد الغائب ( 105 ) ومسلم ، كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض ( 4383 ) .

(8)  الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ( 1 / 91 ) .

(9)  الكفاية ( 1 / 186 ) .

(10)  الكفاية ( 1 / 186 ــ 188 ) .

(11)  أي نزعاتهم السياسية في الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما .

(12)  الأنوار الكاشفة 271 .

(13)  مناهج المحدثين العامة 58 .



بحث عن بحث