تعريف التخريج اصطلاحًا:

عرَّف الدكتور/ محمود الطحان التخريج بقوله: " هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة" (1).

ثم قال في تفسير قوله: " ثم بيان مرتبته عند الحاجة": " أي بيان رتبة الحديث من الصحة والضعف وغيرها إذا دعت الحاجة لذلك، فليس بيان المرتبة إذن شيئًا أساسيًا في التخريج، وإنما هو أمر متمم يؤتى به عند الحاجة إليه" (2)

إلا أن العلامة الدكتور/ محمد أبو شهبة عرَّفه بقوله: " عزو الأحاديث إلى من ذكرها في كتابه من الأئمة، وبيان درجتها من الصحة، أو الحسن، أو الضعف" (3).

وعرَّفه الأستاذ صبحي السامرائي فقال: " هو عزو الحديث إلى مصدره، أو مصادره من كتب السنة المشرفة، وتتبع طرقه وأسانيده، وحال رجاله، وبيان درجته قوةً وضعفًا" (4).

فالدكتور/ أبو شهبة والأستاذ السامرائي أدخلا في التعريف " بيان درجة الحديث من الصحة أو الحسن أو الضعف" دون تقييد (عند الحاجة) كما ذكر الدكتور/ الطحان.

قلت: ومما يرجح قولهما على قوله أقوال المحدثين، وواقع عملهم في كتب التخريج.

قال العراقي في المغني مبينًا منهجه في التخريج: " اقتصرت فيه على ذكر طرق الحديث، وصحابيه، ومخرجه، وبيان صحته، أو حسنه، أو ضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول" (5).

وقال السيوطي: " العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث، وسقيمه، وعلله، واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلاً" (6)

وقال المناوي متعقبًا أحكام السيوطي على أحاديث كتابه الجامع الصغير، إذ اكتفى في الحكم بالإشارة والرمز، قال: " كان ينبغي له- أي السيوطي- أن يعقب كل حديث بالإشارة بحاله بلفظ: صحيح، أو حسن، أو ضعيف في كل حديث، فلو فعل ذلك كان أنفع وأصنع، ولم يزد الكتاب به إلا وريقات لا يطول بها، وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى الصحيح، والحسن، والضعيف بصورة رأس صاد، وحاء، وضاد، فلا ينبغي الوثوق به؛ لغلبة تحريف النساخ، على أنه وقع له ذلك في بعض دون بعض، فكان المتعين ذكر كتابة صحيح، أو حسن، أو ضعيف في كل حديث.

قال العلائي: من ذكر حديثًا اشتمل سنده على من فيه ضعف أن يوضح حاله خروجًا عن عهدته، وبراءةً من ضعفه" (7).

والمطلع على كتب التخريج يرى أن المخرجين يبينون درجة الحديث من حيث القوة والضعف، فمنهم من يبينه اختصارًا كما هو الحال في تخريج العراقي لأحاديث " إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وتخريجه لأحاديث " المنهاج" للبيضاوي.

 ومنهم من يبينه تفصيلاً، بعد عرض لأقوال العلماء ومناقشتها، كما هو الحال في تخريج الحافظ الزيلعي لأحاديث" الهداية" للمرغيناني، وتخريج الحافظ ابن حجر لأحاديث " شرح الوجيز الكبير" للرافعي.

وأهمية كتب التخريج تأتي أولاً من بيان حال الأحاديث المخرجة من الصحة والضعف، ويظهر تمكن مؤلف " التخريج" في الحديث روايةً ودرايةً، من بحثه في بيان درجة الحديث، من خلال استيفاء الكلام على طرقه، والكشف عن علله، والتحقيق في رجاله جرحًا وتعديلاً.

ولذا فإن قول الدكتور/ الطحان: " ثم بيان مرتبته عند الحاجة" يرده قول المحدثين وواقع الحال في كتب التخريج التي ذكرت مرتبة الحديث بعد ذكر مخرجيه، إما نصًا، وإما إشارةً، كذكر أحد رواته بالضعف، أو ما يشير إلى قبول الحديث أو رده (8).

وعليه فيمكن القول في تعريف التخريج اصطلاحًا بأنه: " عزو الحديث إلى من رواه من أصحاب المصادر الأصلية، مع ذكر طرقه، ودراستها، وبيان درجة الحديث".

شرح التعريف:

1. عزو الحديث، معناه: نسبة الحديث إلى من أخرجه من الأئمة، وله صورتان:

الأولى: العزو الإجمالي، وذلك بأن يقتصر على مجرد الإحالة إلى من أخرج الحديث, أو ذكر اسم المصدر الذي يروى فيه الحديث، كأن يقال مثلاً: " أخرجه البخاري في صحيحه"، أو" أخرجه الترمذي في سننه"، أو" أخرجه الطبراني في معجمه"، ونحو ذلك من العبارات، وهذه طريقة المتقدمين في الغالب؛ لاكتفائهم بذلك في معرفة موضع الحديث.

الثانية: العزو التفصيلي، وللمتأخرين فيه عدة مسالك، منها: أن يزاد على ما سبق بذكر ترجمة الكتاب التفصيلي، وترجمة الباب، ورقم المجلد، والصفحة، والحديث، فيقال مثلاً: " أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في طهور الأرض إذا يبست، رقم: (382)، ج: 1 ص: 198، وهكذا.

2. المصادر الأصلية: مصادر الحديث متعددة ومتنوعة، لكنها تنقسم إلى قسمين:

أ‌-  المصادر الأصلية.

ب‌-     المصادر الفرعية.

أولاً: المصادر الأصلية:

تعريفها:

المصدر الأصلي: هو كل كتاب يروي فيه مصنفه الأحاديث بأسانيده عن شيوخه عمن فوقهم، حتى يصل إلى المتن.

مثاله:

 قال الإمام البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، رقم:(69): حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثني أبو التياح، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".

ففي هذا المثال نجد الإمام البخاري يذكر سلسلة الرجال الذين نقلوا الحديث قبل أن يذكر متن الحديث.

أقسام المصادر الأصلية:

القسم الأول: كتب السنة الشريفة التي صنفت من أجل جمع الأحاديث بالأسانيد، وهي على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: المصنفات على حسب موضوع المتن (المروي)، وهي على ثمانية أنحاء.

أ‌-   الصحاح:

الصحاح: كل كتاب اشترط مصنفه جمع الأحاديث الصحيحة، سواء وفى في كتابه بشروط الحديث الصحيح أولم يوف بها.

ومن الكتب التي اشترط صاحبها جمع الصحيح ووفى بشروطه:

أ‌- صحيح البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله، وسننه، وأيامه، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة (256هـ).

ب‌-            صحيح مسلم، المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى سنة (261هـ).

ومن الكتب التي اشترط صاحبها جمع الصحيح ولم يوف بشروطه:

أ‌-  صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري المتوفى سنة (311هـ)، ولا يوجد من الكتاب إلا ربعه الأول.

ب‌-  صحيح ابن حبان، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة (354هـ)، واسم الكتاب الذي وضعه مصنفه:" التقاسيم والأنواع"، ثم قام الأمير على بن بلبان الفارسي المتوفى سنة (739هـ)، بترتيبه على الأبواب وسماه: "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان".

ب‌-  السنن:

السنن: الكتب التي جمعت الأحاديث مرتبة على الأبواب الفقهية (9).

ومن أمثلة هذا النوع:-

أ‌-   سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ).

ب‌-   سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (303هـ)، وقد تسمى بالمجتبى، وهي مختصرة عن السنن الكبرى له.

ج‌-  سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني (273هـ).

د‌-سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (255هـ)، وقد يسمى بمسند الدارمي؛ لأنه يذكر الأحاديث بالأسانيد.

هـ - سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385هـ).

و- السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ).

3.المصنفات:

 جمع مصنف وهو: الكتاب المصنف على الأبواب الفقهية، ويشتمل على الأحاديث المرفوعة، والموقوفة، والمقطوعة، ومن أمثلة هذا النوع:

أ - المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ).

ب- المصنف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي (235هـ).

4. الموطآت:

جمع موطأ وهو: الكتاب المصنف على الأبواب الفقهية، ويشمل على الأحاديث المرفوعة، والموقوفة، والمقطوعة.

وهي مثل المصنفات، وإن اختلفت الأسماء، ومن أمثلة الموطآت:-

أ‌-  الموطأ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي (179هـ).

5. المستخرجات:

جمع مستخرج وهو: كل كتاب خرج فيه مصنفه أحاديث كتاب لغيره من المؤلفين بأسانيد لنفسه من غير طريق المؤلف الأول، بحيث يلتقي مع شيخه، أو شيخ شيخه فمن فوقه، ومن أمثلة ذلك:

أ - المستخرج على صحيح البخاري، لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (371هـ).

ب- المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني(430هـ).

الهوامش:

 (1) المصدر السابق (نفسه).

 (2) أصول التخريج: 14.

 (3) حاشية كتاب" الوسيط في علوم ومصطلح الحديث" ص: 353.

 (4) مقدمة تحقيقه لتخريج أحاديث مختصر المنهاج للحافظ العراقي.

 (5) المغني عن حمل الأسفار بهامش الإحياء: 1/ 1.

 (6) طبقات الحفاظ: 534.

 (7) فيض القدير: 1/40-41.

 (8) أسباب اختلاف المحدثين لخلدون الأحدب: 2/706.

 (9) الرسالة المستطرفة للكتاني: 32.



بحث عن بحث