هدي الرسول  في الدعوة والنصيحة (2-2)

ولقد كان من هدي النبي ﷺ الاتصاف بالصفات اللائقة بالداعية، ومن أهمها: إخلاص هذه الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لله سبحانه وتعالى، وليس الغرض من وراء ذلك تحصيل أمر دنيوي كبر أم صغر، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}(1).

وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}(2).

وإذا فقد الداعي هذه النية فلا يتم له مقصوده ولا يصل إلى هدفه، بل تكون دعوته وبالًا عليه وخسارة.

ومن الصفات أيضًا: الصبر والتحمل على ما يلاقي في سبيل هذه الدعوة المباركة، فطريق الدعوة طويل وشاق في بدايته، وهو أمر جلل وكبير، وإذا كان كبيرًا تعبت في مرادها الأجسام، وقد تحمل رسول الله ﷺ أنواع الأذى والعذاب منذ أن كلف بهذه الدعوة، حتى وصل الأمر بالمشركين أن وضعوا على رأسه سلا الجزور وهو يصلي ﷺ، وحوصر اقتصاديًا في شعب بني عامر، واتهم بتهم كثيرة: بأنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون، ولكنه عليه الصلاة والسلام صبر وصابر، فكانت العاقبة انتشار الدعوة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا.

ولقد بيَّن الله عز وجل أن هذا الطريق يحتاج إلى ذلك: {فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}(3).

وقال تعالى في وصية لقمان لابنه: {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(4).

وصدق القائل:

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

وأي مجد أعظم من مجد المنتسبين إلى الدعوة إلى دين الله، والقائمين بالنصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، والمتصفين بأنهم من خير أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الله.

ومن الفقه في الدعوة إلى الله – المستقى من هديه ﷺ- استعمال الأساليب المناسبة التي تغلب مصلحتها على مضارها، والشواهد في ذلك من سيرته عليه الصلاة والسلام أكثر من أن تحصر، ومن ذلك: ما أخرجه الشيخان: أنه عليه الصلاة والسلام كان جالسًا مع أصحابه في المسجد، إذ دخل أعرابي فبال في المسجد في ناحية منه، فقام الصحابة ن ليزجروه، فقال ﷺ: «دعوه» وفي رواية: «لا تزرموه» حتى قضى بوله، فدعاه النبي ﷺ وأخبره بأن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول، وإنما هي للقراءة والذكر والصلاة، فقال الأعرابي متأثرًا بهذا الأسلوب الحسن: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا(5).

والمتأمل في هذا الموقف يجد أنه عليه الصلاة والسلام قدم النظر إلى المصالح لتحقيق أكثرها، وتقليل المفاسد بقدر المستطاع، ومن تلك المصالح: عدم تنجيس بقعة أكبر، وعدم تأثر الأعرابي التأثر السلبي.

ومن ذلك أيضًا: الدعوة بالحكمة واللين والرفق والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}(6).

وقد سار ﷺ على هذا السبيل، وانتهج هذا المنهج القويم، فحري بكل داعية ومصلح أن يدرس هديه ﷺ في الدعوة، والاقتداء به والسير على منواله واقتفاء أثره، رزقنا الله ذلك، إنه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البينة: 5]

(2) [الزمر: 2]

(3) [الأنعام: 34]

(4) [لقمان: 17]

(5) أخرجه البخاري (220، 6128) .

(6) [النحل: 125]



بحث عن بحث