هدي الرسول  في أخلاقه وسلوكه وتعامله (2-2)

فرسول الله ﷺ أحسن الناس أخلاقًا، وأزكاهم وأفضلهم وأعظمهم، بل جعل مهمته في هذه الحياة وسبب بعثته ورسالته نشر الأخلاق الفاضلة والسمات الحميدة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق«(1).

وبينت لنا عائشة الصديقة رضي الله عنها هذه الأخلاق، من أين استمدها؟ وكيف كان يتمثلها؟ فقالت رضي الله عنها: «كان خلقه القرآن«(2).

فلو أراد متأمل أن يستنتج أخلاقه عليه الصلاة والسلام، فلابد له من دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرته العطرة الشاملة؛ إذ إنه يتمثل هذه الصفات بأعلى صورها وأمثل معانيها، فإذا بحثت عن التواضع والتحمل، أو العفاف والحياء، أو الإخلاص والصدق، أو طيب الكلام وحسن الفعال، أو الصبر والمصابرة، أو الأمانة والسمو، أو النظافة والطهارة، أو الوفاء بالعهد وصدق الوعد، وإفشاء السلام وحسن الحديث، أو الكرم والجود، كل ذلك وغيره تمثله ﷺ بما لم يجتمع لسيرة بشر من الناس مهما كان.

وعلى سبيل التفصيل في بعض صفاته عليه الصلاة والسلام، نعرض بعض الأمثلة: فهذه صفة التواضع وخفض الجناح، وعدم الكبر والبطر وغمط الناس، يقول قيس بن سعد: زارنا رسول الله ﷺ في منزلنا، فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» فرد أبي ردًّا خفيًا، فقلت لأبي: ألا تأذن لرسول الله ﷺ؟ فقال: ذره حتى يكثر علينا من السلام، فقال ﷺ: «السلام عليكم ورحمة الله» ثم انصرف فاتبعه سعد وقال: يا رسول الله! إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردًّا خفيًا لتكثر علينا من السلام، فانصرف النبي ﷺ وأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران فاشتمل بها، ثم رفع يديه وهو يقول: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد«

فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارًا، فقال سعد: يا قيس! اصحب رسول الله ﷺ، فصحبته، فقال: «اركب معي»، فأبيت، فقال: «إما أن تركب وإما أن تنصرف«(3).

وهذه صورة أخرى من صور التواضع وخفض الجناح: فقد كان في سفر مع أصحابه وأرادوا أن يهيؤوا طعامًا، فقسم النبي ﷺ العمل بينهم، وقام هو بجمع الحطب، فأراد الصحابة ن أن يكفوه ذلك، فأبى إلا أن يشاركهم العمل ﷺ.

وصورة ثالثة: وقف عليه أعرابي يرتجف وترتعد فرائصه خشية منه ﷺ، فما كان منه إلا أن هدأ من روعه وسكن من فزعه، وطفق رسول الله ﷺ يزيل عنه هذه الخشية وهذا الرعب، فذكر للأعرابي أنه ﷺ ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد(4).

وصورة رابعة: خرج ﷺ على جماعة من أصحابه وهو يتوكأ على عصا، فقاموا له تعظيمًا وإجلالًا، فقال ﷺ: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا«(5).

ومن تواضعه ﷺ: تواضعه في جلوسه ومسكنه، فكان يلبس كعامة من حوله، ويسكن كما يسكن من حوله، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره، ويحلب الشاة، ويأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، فهذا رسول الله ﷺ في تواضعه وخلقه، رزقنا الله الاقتداء به، والاهتداء بهديه، والسير على طريقته، والتحلي بأخلاقه ﷺ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أحمد (2/381)، والبخاري في الأدب المفرد (273)، والحاكم (2/613)، والبيهقي في الشعب (7978) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2349) .

(2) أخرجه مسلم (746)، وأحمد (6/9)، وأبو داود .

(3) أخرجه أبو داود (5185).

(4) أخرجه ابن ماجه (3312)، وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.

(5) أخرجه أحمد (5/253) .



بحث عن بحث