هدي النبي  في الاعتكاف (2-2)

وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام، فلما كان في العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا، وكان يعارض جبريل بالقرآن كل سنة مرة، فلما كان ذلك العام عارض به مرتين، وكان يعرض عليه القرآن أيضًا في كل سنة مرة، فعرض عليه تلك السنة مرتين.

وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان، وكان يخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة فترجله وتغسله وهو في المسجد وهي حائض، وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف، فإذا قامت تذهب قام معها يقلبها، وكان ذلك ليلًا(1)، ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها، وكان إذا اعتكف طُرح له فراشُه ووُضع له سريرُه في معتكفه، وكان إذا خرج لحاجته مرَّ بالمريض وهو على طريقه فلا يعرج عليه ولا يسأل عنه(2)، واعتكف مرة في قبة تركية، وجعل على سدتها حصيرًا، كل هذا تحصيلًا لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ الاعتكاف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم، فهذا لون والاعتكاف النبوي لون»(3). ا.هـ كلامه :.

ولعل من الحكمة أن نستلْهم الدروس والعبر من هدي الرسول ﷺ في الاعتكاف: فينبغي على المعتكف أن لا يعكر اعتكافه أو يفسده بأمور الدنيا، ويجعل معتكفه مأوى للزائرين لتبادل أطراف الأحاديث الدنيوية التي تشوش على القلب، وتفسد روحانية هذه العبادة، أو يجعل معتكفه أيضًا مجالًا لعرض ألذ المطعومات وأفخر المشروبات، وبخاصة في المسجد الحرام، أو يجعل معتكفه أيضًا حلبة مصارعة ومجادلة لعرض الآراء والمذاهب والأقوال، والدخول في مناوشات ومحاورات سقيمة، لا تسمن ولا تغني من جوع، أو يجعل معتكفه معرضًا لنشر ثيابه وملابسه أمام المصلين، أو لا يهتم بإيذاء جيرانه من المعتكفين برفع الصوت، أو النوم في طرقاتهم وفي أماكن الصفوف المتقدمة، أو إيذائهم بروائحه الكريهة، أو غير ذلك مما يقلل أو يبطل منافع الاعتكاف، فلنا أسوة وقدوة حسنة في رسول الله ﷺ في كل أمر من أموره عليه الصلاة والسلام.

أسأل الله سبحانه أن يعيننا على أنفسنا، وأن يتقبل منا طاعتنا، وأن يوفقنا إلى مرضاته، وأن يبلغنا أمانينا في الدنيا والآخرة، إنه سبحانه جواد كريم سميع قريب مجيب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (2038)، ومسلم (2175) .

(2) أخرجه أبو داود (2472) .

(3) زاد المعاد (2/88 – 90) .



بحث عن بحث