العيد والوداع (1-2)

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تزداد الحسنات، وتغفر الزلات، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، النبي المصطفى والرسول المجتبى، وعلى آله وأصحابه أولي  الألباب والنهى، والتابعين وتابعيهم بإحسان على المنهج الأسدى، أما بعد:

أيها المسلمون الكرام:

ونحن نختم شهرنا الكريم والوافد العظيم، وكل مسلم صائم في هذا الشهر المبارك وهو يودِّعه في آخر يوم من أيامه، تختلج في صدره آهات وآهات على فراق هذا الشهر العظيم، يجول بخاطره ذكريات جميلة، وأفعال حميدة، وتصرفات سديدة، كتبها الخالق عنده حسنات مضاعفة، وأجورًا كثيرًا، كما يتحسر على تلك الهفوات والزلات التي صدرت على حين غفلة، أو ضياع فرصة.

والمسلم الصائم وهو في اللحظات الأخيرة من هذا الشهر بنفحاته وخيراته، وهو يتذكر تلك الذكريات: يتساءل أسئلة كثيرة، يجد الجواب لبعضها ويتردد في أجزاء منها، تُرى: صمنا الشهر وقمناه، فهل قبل الله منَّا؟ هذا ما نرجو، فما علامة ذلك؟ ولم ختم الشهر بيوم عيد يفرح فيه المسلمون مع أنهم فارقوا شهر الصيام والقيام والطاعات والنفحات..؟ مع هذه الأسئلة نقف في هذه الوقفات الأخيرة:

الوقفة الأولى:

أعقب الله سبحانه وتعالى هذا الشهر المبارك بيوم لا كالأيام، يوم جعله عيدًا للمسلمين يشكرون الله تعالى فيه على ما هيأه لهم من الطاعات في هذا الشهر المبارك، ويتأملون في ليلته ما أودعوه من أعمال، فمن أودعه عملًا صالحًا فليحمد الله تعالى وليستبشر بحسن الثواب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ومن أودعه عملًا سيئًا فليختم بالتوبة النصوح لربه سبحانه، فإن الله يتوب على من تاب.

وفي ليلة العيد: يشرع التكبير لله سبحانه وتعالى عند إكمال العدة، ويبدأ من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، يقول سبحانه: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1).

وصفته: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

يكبر بها الرجل جهرًا، يجهر بهذا التكبير إعلانًا لتعظيم الله، وإظهارًا لعبادته، وشكره، يكبر في بيته وسوقه ومسجده، ومستشعرًا هذا الذكر العظيم، نعم، الله أكبر من كل شيء، فلا يستحق العبودية سواه، معلنًا توحيده: لا إله إلا الله، حامدًا له مثنيًا عليه الخير كله، سبحانه وتعالى.

ما أجمل هذا التكبير وهو يتردد بين جدران كل مدينة وقرية، فتُقمع الشياطين وتخرج عن بيوت المؤمنين.

يُعلَّم هذا التكبير الأبناء والبنات فيعجبون به وتمتلئ نفوسهم منه، ما أحلى العبادة وهي تملأ الشوارع والبيوت والأسواق، فلا يبقى للشياطين مداخل على الخلق، وما أحلى الشعار إذا كان مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى.

وفي يوم العيد تشرع زكاة الفطر قبل الصلاة كما فصلناه فيما سبق.

كما تشرع صلاة العيد، ومن المستحب خروج العائلة كلها لتشهد الخير ودعوة المسلمين، كما ثبت ذلك عن رسول الله ﷺ(2)، ولكن بآداب الخروج وامتثال شرع الله تعالى فيه، تبتعد المرأة في خروجها عن التبرج والسفور والزينة، وتكون ملتزمة بالحجاب الشرعي، خاشعة ذليلة لربها.

ومن ملامح العيد: لبس الجديد والطهور بالمظهر الحسن الطيب الذي يُرى فيه أثر نعم الله على خلقه، ويؤدي المسلمون صلاة العيد بخشوع ورغب ورهب ودعاء وذكر.

أخي المسلم:

لا يكون العبد بلبس الجديد فحسب، وإنما العيد بلبس الحسن في المظهر، وتزيين المخبر وتطهيره، وحق للمسلم أن يفرح في ذلك اليوم، ولكن لا ينسيك فرحك أن تجتهد في تعميم ذلك الفرح.

حق لك أن تفرح بالعيد وتحمد الله تعالى على ذلك، فحاول أن تنقل هذا الشعور إلى إخوانك المسلمين فيشاركونك عيدك، فلعلك وأنت تعيش فرحة العيد أن تتذكر إخوانًا لك؛ اختفت الابتسامة من شفاههم؛ لما يواجهونه من محن، فاجعل هذا الشعور يخالجك لتقدم لهم ما تستطيع، وتعيد لهم ابتسامة العيد.

في يوم العيد والفرح السعيد لا ينسينك العيد عبادتك وطاعتك التي قمت بها في الشهر العظيم فتلهو وتعبث، وقد يكون لهوك في أشياء محرمة ومكروهة كما يفعل الكثيرون، هدانا الله وإياهم، فتذهب أعمالهم سدى وتكون عليهم حسرات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 185]

(2) رواه البخاري (1/423)، برقم(324) في الحيض، باب شهود الحائض العيدين، ومسلم (2/602)، برقم(890) في العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى.



بحث عن بحث