وقفات مع ختام الشهر (التوبة، صدقة الفطر) (3-3)

الوقفة الثالثة:

ونحن نختم هذا الشهر المبارك نحس باللوعة لفراقه، والأَسف على تفريطنا فيه، ونجد الناس قد تفاوتت أحوالهم؛ فذاك صائم نهاره، قائم ليله، يدعو ربه، ويواسي إخوانه، ويتقلب من طاعة إلى طاعة؛ فهنيئًا لهذا على ما قدم إذا تحلت أعماله بالإِخلاص والصدق.

وآخرون فرَّطوا وضيَّعوا، ذهب وقتهم سدى، نهارهم يتقطع في أعمال دنيوية، وليلهم في سهرات لا فائدة منها، كتبت تلك الساعات من أعمارهم ولم يزدادوا بها قربًا من مولاهم، ولم يستفيدوا من شهرهم، ونسوا ربهم وهم يتقلَّبون في نعمه، ولم يقوموا بحقه ويمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه وهم عبيد من عباده.

فإلى هؤلاء، وإلى كل مسلم صام الشهر وقامه، وإلى كل معترف بالذنب والتقصير، وإلى كل مفرط في الشهر: اختموا شهركم بالحسنى فإن الأعمال بالخواتيم، قبل أن تندموا ولات ساعة مندم.

اختموا شهركم بالاستغفار التوبة والإِنابة، فإن الإنسان لا يخلو من الخطأ والتقصير، وكل بني آدم خطَّاء وخير الخطَّائين  التوابون، استغفروا ربكم ليغفر لكم، وتوبوا إليه ليتوب عليكم، واختموا بالحسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}(1).

ولا يقولن أحد: إنني لم أخطئ ولم أذنب، فهذا من الإعجاب والغرور، فكل بني آدم خطَّاء، ورسول الله ﷺ أفضل البشر يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة.

ولا يقولن أحد: إنني قصَّرت وفرطت في جنب الله، وماذا تنفع توبتي الآن؟ فهذا من اليأس والقنوط، فقد قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}(2)واعلموا أن الله تعالى يحب عباده التوَّابين، ويفرح بتوبة عبده أشد من فرح من ضلت راحلته وعليها طعامه وشرابه ثم وجدها بعد اليأس، يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(3).

فاختموا شهركم بالتوبة النصوح بإخلاص وصدق وندم على ما سلف من الذنوب، وإقلاع عن كل معصية، وردِّ المظالم إلى أهلها، وبعزم صادق على عدم العودة إليها، وعلى إبدالها بأعمال صالحة، فأبوابها كثيرة في رمضان وغيره، تقبَّل الله توباتنا، ومحا بها ما سلف من ذنوبنا، وتقبل صيامنا وقيامنا، وأعاد علينا شهرنا مرات وكرَّات عديدة وفي أزمنة مديدة، وجعل شهرنا شاهدًا لنا لا شاهدًا علينا، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [هود: 3]

(2) [الزمر: 53 – 54]

(3) [البقرة: 222]



بحث عن بحث