وقفات في علاقة المخلوق بالخالق، والمخلوق بالمخلوق (1-2)

الحمد لله الذي أمرنا بأفضل الأعمال وأزكاها، وشرع لنا أفضل الشرائع وأسماها، وأصلي وأسلم على نبينا محمد البشير النذير، وعلى آله وأصحابه ومن على هداهم يسير، أما بعد:

أيها المسلمون الكرام:

نعيش هذه الأيام الأخيرة من هذا الشهر الكريم، ونفوس المؤمنين الصادقين تتمنى أن كل السنة رمضان، ولكن هذه هي حكمة الله سبحانه وتعالى، والسعيد كل السعادة: من صام رمضان، وقام لياليه، واغتنم أوقاته الشريفة في عمل الصالحات بإخلاص ورغب ورهب، فأكرمه الله تعالى بالثواب الجزيل والرحمة والمغفرة والعتق من النار، والشقي من حُرم ذلك وفرط في أيام وليالي هذا الشهر المبارك.

أيها الإخوة المسلمون:

ونحن في هذه الأيام الأخيرة منه لنا وقفتان جديرتان بالاهتمام؛ إحداهما في علاقة المخلوق بخالقه جل وعلا، والأخرى في علاقة المخلوق مع أخيه المخلوق.

أما الوقفة الأولى:

فالله سبحانه وتعالى عفو كريم، غفور رحيم، يغفر الذنب، ويقبل توبة المسيء من عباده، ويعفو عن الزلات، يعلم من عباده سبحانه: التقصير والخطأ والذنب، فإذا تاب العبد فالله جل وعلا أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، ولا شك بأن المسلم والمسلمة أثناء صيامهما لهذه الفريضة العظيمة وقعت منهما أخطاء وزلات، وقصروا في بعض جوانب الصوم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى ما يجبر هذا التقصير، ويقوم ما اعوجّ من خلل، وذلك بتشريعه جل وعلا صيام النوافل، ففي صيامها تكفير للذنوب، وعفو عن الزلل، وتكثير للحسنات، وتكميل لما نقص في الفريضة بإذن الله تعالى.

ومما شرعه الله سبحانه وتعالى: صيام ستة أيام من شوال متتابعات أو متفرقات في أول الشهر أو آخره، روى مسلم وغيره عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»(1)، وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، كما جاء مفسرًا من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة» يعني صيام رمضان وستة أيام بعده، رواه أحمد والنسائي وغيرهما(2).

ومن ذلك: صيام يوم عاشوراء، فقد صامه رسول الله ﷺ وأمر بصيامه، كما حدث بذلك ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن رسول الله ﷺ قال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»(3) يعني مع العاشر.

وكذلك صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد ورد أنه «يكفر السنة الماضية والباقية»(4).

وكذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون أيام البيض، حدث أبوهريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي ﷺ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أنام»(5). وروى الترمذي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا صمت من الشهر ثلاثًا فصم: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة»(6).

وكذلك صيام يوم الاثنين والخميس؛ لما روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عرض الأَعمال يوم الاثنين والخميس فأجب أن يعرض عملي وأنا صائم»(7).

فضل الله واسع، وعطاؤه جزيل، لم يبق علينا – ونحن في الأيام الأخيرة من هذا الشهر الكريم – إلا أن نشمر عن ساعد الجد، ونعوِّض ما فاتنا، ونجبر النقص الذي حصل في صيام هذا الشهر باستصحاب النية، والعزم على صيام شيء من النوافل وبخاصة ستة أيام من شوال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه مسلم (2/822) في الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعًا لرمضان، وأبوداود (1/740)، برقم(2433) في الصيام، باب من صوم ستة أيام من شوال.

(2) رواه أحمد (5/280)، والدارمي (2/21)، وابن ماجه (1715) في الصيام، والنسائي في الكبرى (2/163)، برقم(280) في الصيام، باب صيام ستة أيام من شوال.

(3) الأمر بصيام يوم عاشوراء من حديث ابن عباس رواه البخاري (4/244)، برقم(2004) في الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، ومسلم (2/795)، برقم(1130) في الصيام، باب صيام يوم عاشوراء، وأما قوله ﷺ: «لئن بقيت إلى قابل لأَصومن التاسع»، رواه مسلم (2/798)، برقم(1134) في الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء.

(4) رواه مسلم (2/819)، برقم(1162) في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء، والاثنين والخميس، وأبوداود (2425) في الصوم، باب في صوم الدهر تطوعًا.

(5) رواه البخاري (4/226)، برقم(1981) في الصوم، باب صيام البيض، ومسلم (497)، برقم(721) في صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى.

(6) رواه أحمد (5/152)، والترمذي (3/134)، برقم(761) في الصوم، باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والنسائي (4/222) في الصيام، باب ذكر علي موسى بن طلحة.

(7) رواه الترمذي (3/122)، برقم(747) في الصوم، باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس. 



بحث عن بحث