رسالة إلى التاجر والمدرس (1-2)

الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أحمده سبحانه، على جزيل نعمه ووافر عطائه.

وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث بالبر إلى الخلق، وعلى آله وأصحابه أهل الفضل وأتباع الحق، والتباعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد:

فإن من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أن خلقهم في هذه الدنيا، وقدَّر أرزاقهم؛ ليقوموا بشؤون هذه الحياة، وليتقووا بها على طاعة الله تعالى، وجعلهم في ذلك متسابقين متبارين، وشهر رمضان المبارك بنفحاته الإيمانية يُذكِّر كل صنف من هؤلاء الناس ليقف مع نفسه محاسبًا ومع وظيفته متأملًا، موظفًا أو عاملًا، تاجرًا أو مسؤولًا، رجلًا أو امرأة، هل قام بعمله حق القيام؟ وهل استفاد من عمله ووجهه نحو الخير في الدنيا والآخرة؟ وهل أدى هذا العمل إلى نفع الآخرين.

مع بعض الأصناف في هذا الشهر المبارك نقف الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى:

نقف فيها مع ذلك الصنف الذي ملأ وقته، وعمر ساعات ليله ونهاره في جمع المال، عن طريق البيع والشراء، والصفق في الأسواق، يأخذ من هذا ويعطي ذاك، يربح تارة، ويخسر أخرى، يفرح لربحه ويحزن لخسارته، يشغل تفكيره في حساباته وزيادتها ونقصها، يخطط في شراء تلك السلعة أو السلع أو بيعها، يعمل ذهنه وتفكيره فيما يؤدي إلى زيادة هذا المال، يجدد حساباته ويحسب ربحه وخسارته كل سنة، لينظر ثمرة جهده واجتهاده.

ولا شكَّ أخي المسلم أن البيع والشراء مما أحله الله سبحانه وتعالى، فقد أحل الله البيع وحرم الربا، وأن جمع المال في أصله مما أباحه الله تعالى لهذه الأُمة فضلًا منه ونعمة، ولكن هناك أمور مهمة أذكِّر بها إخواني التجّار:

أولًا: أن الله سبحانه وتعالى وإن أحل جمع المال؛ فقد شدّد في النظر إلى مصدره وطريقة جمعه، فليس لكل من أراد أن يجمع المال بأي طريقة شاء أن يفعل ذلك، بل بما يرضي ربه سبحانه وتعالى، ولذا جعل الأَصل الحلّ، وحذَّر من أمور في التجارة، فالغش والخداع، والنجش، والزيادة في السلعة – الزيادة الفاحشة – والأيمان الكاذبة، والكذب والزور، والربا، وأكل أموال الناس بالباطل، والرشوة، والاختلاس، والسرقة، وبيع وشراء المواد المحرمة ونحوها، أمراض إذا دخلت على المال أفسدته، ونزعت بركته، وعرضته للآفات والمخاطر، وأنبتت جسد صاحبه على الحرام.

ثانيًا: هل علمت أخي التاجر أن المال مال الله تعالى، وأنه وديعة عندك يبتليك فيه، ينظر كيف تجمعه وكيف تصرفه، فالمسلم الحصيف العاقل هو الذي يملك المال، وليس يملكه المال، فإذا علمت ذلك فاعلم أن الله تعالى سائلك عنه، كما صح عن رسول الله ﷺ: «من أين اكتسبته وفيم أنفقته؟«(1).

وهل حمدت الله سبحانه وشكرته على أن أقدرك على جمعه، وأغناك عن خلقه، فزادك هذا المال قربًا من الله تعالى وتواضعًا وخلقًا سمحًا، وتعاملًا حسنًا مع عباد الله؟ أم أنت من ذلك الصنف الذي أدى به هذا المال إلى الطغيان والغرور والأشر والبطر وغمط الناس حقوقهم؟ لا جعلك الله كذلك.

ثالثًا: ومما نتذاكر به: مصارف هذا المال، فالله جل وعلا طيب لا يقبل إلا طيبًا، وقد أمر عباده المؤمنين أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، فهل دققت أخي صاحب المال في مصارف هذا المال وعرفت أين تنفقه؟ وهل توسطت في هذا الإنفاق على أهلك وأسرتك فكنت بين الإسراف والتقتير؟ وهل راعيت حال إنفاقك من حولك في مجتمعك؟ وهل أخرجت زكاة مالك طيبة بها نفسك وصرفتها في مصارفها الشرعية غير مراء بها ولا مسمع؟

وهل استشعرت تلك الفئام من المسلمين في أصقاع المعمورة كلها؛ لتخصص جزءًا من مالك لتسد حاجاتهم، وتشاركهم في جهادهم وغزوا أعدائهم، وتسهم في تعليم أبنائهم، وتعطف على أيتامهم، وتواسي أرامهم ومساكينهم؟

وهل خصصت جزءًا من مالك لأَقاربك الذين لا يسألونك، وينظرون إليك لتباشر معونتهم وتقوم بالصلة الواجبة عليك؟ لا شك أن المسلم الذي ملك المال هو الذي يستشعر كل سبل الخير ليسهم فيها، فقدوته رسول الله ﷺ الذي ملك الدنيا، لكنه مات صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي، ولم يرد سائلًا صلوات الله وسلامه عليه، وكان يتحسس حاجات المسلمين ويفرح بالقيام بها.

أخي صاحب المال: وأنت تحرص على حسابات أموالك وتعدادها؛ فليكن رمضان فرصة لمحاسبة نفسك في تعاملك مع هذا المال فيما يرضي ربك جل وعلا، أراك فاعلًا بإذن الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه الترمذي (4/529)، برقم(2417، 2460) في صفة القيامة، باب ما جاء في القيامة.



بحث عن بحث