دروس من فتح مكة (1-3)

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولانا به من الفضل والإِنعام، وأصلي وأسلم على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، أفضل من صلى وصام وقام لله حق القيام، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم واقتضى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة ومنحة جليلة من رب رحيم، رؤوف كريم، يُسبغ فيها على عباده المؤمنين النعم والآلاء، ومما ينفع المسلم أيضًا في هذا الشهر: وقوفه لأَخذ العظة والعبرة من أحداث الماضي؛ ليستفيد منها في حاضره ومستقبله، ويستنير بها وهو سائر في دربه في هذه الحياة المليئة بالأشواط والعقبات، وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ومما يذكرنا به هذا الشهر المبارك: فتح مكة المكرمة البلد الأمين، التي جعلها الله سبحانه مأوى الأفئدة المؤمنة، والقلوب الطاهرة، فتح مكة الذي وقع في السنة الثامنة للهجرة، كانت غاصة بالأوثان والأصنام فطهّرها الله بها الفتح العظيم، وأحلَّ فيها التوحيد محل الشرك، والإِيمان محل الكفر، والرزق محل الفقر.

فتح مكة جرت فيه أحداث واستنبطت منه عبر وعظات، نقف مع تلك الأحداث والعظات بعض الوقفات:

الوقفة الأولى:

مما وقع في قصة الفتح: أن رسول الله ﷺ لما دخل مكة أعلن أن من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن، ثم مضى رسول الله ﷺ حتى أتى المسجد الحرام فطاف به على راحلته، وكان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم، فجعل رسول الله ﷺ يطعنها بقوس معه ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}(1)، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}(2)، والأصنام تتساقط على وجوهها، ثم دخل ﷺ الكعبة فرأى فيها صورًا فأمر بها فمحيت، ثم صلى فيها، فلما فرغ دَارَ فيها وكبَّر في نواحيها، ووحَّد الله عز وجل ، وهو ممسك بعضادتي الباب، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(3)يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}(4) اذهبوا فأنتم الطلقاء«(5).

هذا جزء مما جرى في قصة الفتح العظيم، فيه من  الأحداث ما يدعو للوقوف والتأمل والنظر والاعتبار، فهل يخصص كل مسلم شيئًا من وقته لقراءة مثل هذه السيرة العطرة لتكون له منارًا وهاديًا ودليلًا إلى كل خير؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الإسراء: 81]

(2) [سبأ: 49]

(3) [الحجرات: 13]

(4) [يوسف: 92]

(5) رواه الترمذي بعضه (5/363)، برقم(3270) في تفسير القرآن، باب (49)، وأبوداود (2/752)، برقم(5116) في الأدب، باب في التفاخر بالأنساب.



بحث عن بحث