محبة الله (2-2)

الوقفة الثالثة:

عباد الله المؤمنين الذين يحبهم ويحبونه لهم سمات يتميزون بها، وعلامات يُعرفون بها، ودلائل تظهر على سلوكهم وجوارحهم، فمن سلك مسلكهم واقتدى بهم؛ حاز الذي حازوا، ونال الذي نالوا، يقول سبحانه مبينًا بعض هذه الصفات: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(1).

علاقتهم مع الناس: سلم ورحمة للمؤمنين، أشداء بعزة على الكافرين، حريصون على إعلاء كلمة الله، هدفهم إرضاء الله سبحانه وتعالى في كل أعمالهم وأقوالهم، يجاهدون في سبيل الله، يناصرون الحق ويقفون معه رضي الناس أم سخطوا، لا يمنعهم من قول الحق والعمل به مجاملة مكشوفة، ومراءاة مذمومة، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضى الناس سخط الله عليه وأسخط الناس عليه.

ومن صفاتهم: ملازمة التوبة والاستغفار، خائفين من ذنوبهم، شاكرين لنعم الله تعالى، حامدين له مثنين عليه الخير كله، قلوبهم طاهرة وأبدانهم نظيفة، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(2).، وروى مسلم رحمه الله عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها«(3).

ومن سماتهم: تخلقهم بالأخلاق الفاضلة، والفات الحسنة، يتسابقون في الخير، ويتنافسون في نفع الناس، ميدانهم أعمال البر والإِحسان، ومن صفاتهم: الصبر والثبات، والمثابرة والجهاد، والتوكل والإِنابة، والإِنصاف والعدل، والإِحسان والتقوى، يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}(4)، ويقول: {وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(5)، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(6)، ويقول: {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(7).

ويقول الرسول ﷺ فيما رواه الشيخان: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»(8)، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحسنكم أخلاقًا الموطؤون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني مجلسًا وأبغضكم إليَّ يوم القيامة الثرثارون المتفيقهون«(9).

أيها المسلمون الكرام:

هذه صفات المحبين لله تعالى الذين يريدون ثمرة هذا الحب دنيا وأخرى، وغني عن القول أن من أخلَّ بها أو بعضها تعرض لشيء من غضب الله تعالى، وما أولئك المجاهرون بعصيانهم، الذين يقدِّمون المعصية على الطاعة، ويعبثون بنعم الله ولا يشكرونها؟ وما أولئك المعرضون عن إخوانهم المؤمنين، وربما أحبوا الشر لهم، ولم يشعروا بواجبهم تجاههم؟ وما أولئك المضيعون لمسؤولياتهم تجاه أنفسهم وأهليهم؟ هؤلاء وأمثالهم عرضوا أنفسهم لغضب الله وسخطه، برأنا الله وإياكم من ذلك.

ورمضان – معشر المسلمين – يذكرنا بالخلال الحميدة، وعلى رأسها محبة الله تعالى، فلنجتهد في تحصيل هذه المحبة بتحقيق أسبابها، وبخاصة أننا في أواخر الشهر الذي هو مجال للمحاسبة والتأمل وإعادة النظر في أمورنا كلها.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه، وكل عمل يقربنا إلى حبه، وأن يجعلنا من المتحابين فيه المتآخين فيه، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [المائدة: 54]

(2) [البقرة: 222]

(3) رواه مسلم (4/2095)، برقم(2734) في الذكر والدعاء، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأَكل والشرب.

(4) [الصف: 4]

(5) [الحجرات: 9]

(6) [البقرة: 195]

(7) [آل عمران: 76]

(8) رواه البخاري (10/449)، برقم(6024) في الأَدب، باب الرفق في الأَمر كله، ومسلم (4/1706)، برقم(1265) في السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم.

(9) رواه الترمذي (4/325)، برقم(2018) في البر والصلة، باب ما جاء في معالي الأَخلاق.



بحث عن بحث