بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه.

وبعد:

فمعلوم في شريعة الإسلام أن عبادة الله تعالى تقوم على أصلين عظيمين:

الأول: إخلاص العبادة لله تعالى، قال سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3]، ويقول تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر:11-12]، وقال سبحانه: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَد) [الكهف:110]، وجميع الرسل افتتحوا دعوتهم لأقوامهم بهذا الأصل، كما قال نوح عليه السلام: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف:59]، وكذلك هود وصالح وشعيب عليهم السلام.

والأصل والثانى: متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِين) [المائدة:3].

وقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].

وقال تعالى: (الْمَصِ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف:1- 2].

ولا شك أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ظاهراً وباطناً، وطاعته، والتأسي به،ومحبته، وتعزيره، وتوقيره،و تبليغ الدين الذي جاء به، ونشر سنته، والذب عنه، والمنع من كل ما يؤذيه قولاً وفعلاً واعتقاداً، ومودة آل بيته، ومحبة أصحابه والذب عنهم، هي من أعظم القربات ،وصدق اتباعه عليه الصلاة والسلام يكون بمخالفة أهواء الأنفس وحظوظها وشهواتها قولاً وفعلاً واعتقاداً.

فالواجب على الأمة اتباع هديه صلى الله عليه وآله وسلم ، والابتعاد عن كل بدعة، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي وراية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) والبدع جميعُها تشترك في وصف الضلالة ، فقد جاء في الصحيح من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ،زاد النسائي: (وكل ضلالة في النار) .إلا أنها ليست على رتبة واحدة في الضلال، فمنها البدع الكبيرة والصغيرة والمكفرة وغير المكفرة .

وقد فشا في أمة  الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدعة منكرة يوهن إتيانها المحبةَ الحقةَ  له صلى الله عليه وآله وسلم وهي بدعة المولد الذي يقام في الثاني عشر من ربيع الأول، وهي بدعة محرمة قولاً وعملاً واعتقاداً، فهي سوق رائجة للعقائد الباطلة، والأقوال والأعمال المحرمة،كالحقيقة المحمدية ، والإطراء المحرم، وتوهين المحبة الحقة، والتواصي  بالتبرك بالقبور، وتحري إتيان عمرة تسمى بعمرة المولد، وزيارة جبل حراء وثور، ويحصل في بعض البلدان الرقص و الغناء واختلاط الرجال بالنساء، والخروج بسيوف من خشب، وتوزيع أنواع الحلوى مضاهاة للأعياد الشرعية، وكل هذا مترتب على البدعة الأصلية وهي الاحتفال بالمولد النبوي.

ولا شك أن الأمة في هذا الزمان الصعب والمرحلة الحرجة ،والمنعطف الدقيق الذي تمر به ، وسطوة أهل الكتاب على أهل الإسلام، تحتاج إلى أن ترتبط برسولها صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكون الارتباط حقاً إلا بصدق المحبة، والتي من لوازمها الإتباع لهديه صلى الله عليه وآله وسلم  ،فلا يجوز شرعاً ولا يقبل عقلاً أن يكون الاحتفال برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حَيْدَةً عن دينه وشرعه، وابتعادًا عن هديه وسنته، ومخالفةً لسبيل المؤمنين!

ومن مفاسد الاحتفال بعيد المولد:

أولاً: أن في إقامة هذه البدعة تحريفاً لأصل من أصول الشريعة، وهي محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتباعه ظاهراً وباطناً، واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي لا يتفق مع مقاصد الشرع المطهر وكلياته وقواعده العظام.

ثانياً: ويلزم من ذلك القدح في من سبقنا من الصحابة العدول، ومن أتى بعدهم من خير القرون، بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام.

ثالثاً: الوقوع فيما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته صراحة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) أخرجه البخاري (ح:3261) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بتلاوة القصائد المشتملة على الإطراء المحرم والألفاظ البدعية وربما الشركية.

رابعاً: مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم بتشريع عيد لم يفعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه، ولا أحد من التابعين ولا تابعيهم، ولا فعله أحد من أهل الإسلام خلال القرون المفضلة الأول.

خامساً: اشتمال بعض هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور، والتي يرتع فيها أصحاب الشهوات ويستلذون، ويجدون فيها بغيتهم، ويحققون مرادهم، مثل: الطرب والغناء والرقص واختلاط الرجال بالنساء، وقد يصل الأمر في بعض البلدان التي يكثر فيها الجهل إلى تناول الخمور والمسكرات، وكذلك إظهار ألوان من الشعوذة والسحر، ومن يحضر هذه الأماكن بغير نية القربة فهو آثم مأزور غير مأجور، فكيف إذا انضم إلى فعل هذه المنكرات على أنها قربة إلى الله عز وجل.

سادساً: أن في هذه الموالد - والتي كثرت وانتشرت حتى وصلت في بعض الأشهر أن يحتفلوا بثمانٍ وعشرين مولداً - أن فيها استنفاد الطاقات والجهود والأموال، وإشغال الأوقات، وصرف للناس عن ما يكاد لهم من قبل أعدائهم، فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد.

وقد تواطأت كلمات أهل العلم والإيمان على بدعيتها وتحريم إتيان ناديها، بله التواصي على إنكارها باليد واللسان والقلب، فممن قال ببدعيتها:

1- الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني المالكي (ت: 731هـ):

قال : (أما بعد : فقد تكرر سؤال جماعة من المُباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ، ويسمونه : المولد : هل له أصل في الشرع ؟ أو هو بدعة وحدث في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مٌبيَّناً ، والإيضاح عنه معيناً .

فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون- فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت- ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً).

كتاب: المورد في عمل المولد ، ضمن مجموع : (رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي) (1/8)

 2- محمد بن محمد بن الحاج العبدري الفاسي المالكي (ت: 737هـ):

قال: (فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول، من المولد، وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة) [المدخل: (2/ 2-10)].

3- العلامة إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي المالكي (ت: 790هـ):

قوله: (..فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة وكل بدعة ضلالة، فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز والوصية به غير نافذة بل يجب على القاضي فسخه ...) (فتاوى الشاطبي ص203)

4- العلامة أبو عبد الله محمد الحفار الغرناطي المالكي (ت: 811هـ):

قال: (ليلة المولد لم يكن السلف الصالح يجتمعون فيها للعبادة، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة؛ لأن النبي لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه..) [المعيار المعرب والجامع المغرب (ص: 99- 101)].

5- الحافظ أحمد بن عبد الرحيم أبو زرعة العراقي الشافعي (ت: 826هـ):

قال: (لا نعلم ذلك - أي: عمل المولد - ولو بإطعام الطعام عن السلف) [تشنيف الآذان (ص: 136)].

6- العلامة محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250هـ):

قال: (لم أجد إلى الآن دليلا يدل على ثبوته من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال، بل أجمع المسلمون أنه لم يوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم ولا الذين يلونهم، وأجمعوا أن المخترع له السلطان -الكردي- المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين على سبكتكين صاحب أربل) [رسالة في حكم المولد ضمن مجموع الفتح الرباني 2/1087]

7- الشيخ محمد رشيد رضا (ت:1354هـ):

قال: (هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد أحد ملوك الشراكسة بمصر) [المنار (17/ 111)].

 وننبه هنا إلى أمرين:

1-أن الغلو في الأنبياء والصالحين ورفعهم فوق منازلهم التي أنزلهم الله إياها أمر قد وقع في أمتي الغضب والضلالة: اليهود والنصارى، قال سبحانه: (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة:77]، وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [النساء:171]، وقال جل وعلا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة:31] وقد نهينا عن اتباعهم.

2- أن الحب الحقيقي يستدعي الاتباع الصادق، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].

قال ابن القيم رحمه الله: «فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة، فانتفاء محبتهم لازم لانتفاء المتابعة لرسوله، وانتفاء المتابعة ملزوم لانتفاء محبة الله لهم، فيستحيل إذن ثبوت محبتهم، وثبوت محبة الله لهم بدون المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم » مدارج السالكين 1/99.

وقال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف:158].

فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم ركيزة من ركائز ديننا، ووجوبه من المعلوم منه بالضرورة، وإنه من صفات المؤمنين، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما) [النساء:65].

قال ابن كثير رحمه الله: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيم) [النساء:65]، أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولامدافعة ولا منازعة " اهـ.

ولابد لنا تجاه هذه البدعة في الدين والمحدثة في سنة سيد المرسلين من وقفات:

الأولى: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان لنشر الخير، والتواصي به، ولردع ناشري الضلالة، سدنة القبور المتآكلين من صناديق النذور، قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة:78].

فالأخذ على أيدي هؤلاء المحتفلين بنشر العلم تارة وبسطوة النهي عن المنكر تارة أخرى كفيل باضمحلال هذه البدعة، ولكنا نرى ويا للحسرة! تواصياً من المتنفذين على هذه البدعة،ودعماً وتيسيراً وتشجيعاً لأصحابها، فأمر بالمنكر ونهي عن المعروف وتشجيع على البدع، وصدق صلى الله عليه وآله وسلم حين قال كما في الحديث الصحيح: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) أخرجه الترمذي عن ثوبان رضي الله عنه.

الثانية: أهمية تعظيم شعائر الله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، فيجب تعظيم الشعائر الزمانية والمكانية، فالزمانية كشهر رمضان والأشهر الحرم، والمكانية كالمساجد الثلاثة وكل ما عظمه الله جل وعلا في شرعه، فيجب تعظيم هذه الشعائر عن الشرك والبدعة والمعاصي الظاهرة، ومن تعظيمها الاكتفاء بها وعدم إحداث شعائر معظمة ليس عليها أثارة من كتاب أو سنة، ومن تعظيمها نبذ ما لا يستحق التعظيم كالقبور والأضرحة والمزارات المحرمة، ومن تعظيمها عدم إحداث الأزمان المبتدعة كالموالد البدعية والأعياد الوطنية ونحوها مما يوهن إتيانه تعظيم شعائر الله واستبدالها بشعائر مبتدعة.

الثالثة: أهمية التواصي بالحق وبث النصح بين الناس، وحراسة جناب التوحيد، وإقامة العدل، ولاشك أن من أعظم التواصي بالحق نشر العلم كي ينكشف به الجهل وترتفع به راية السنة، وتكون المعذرة إلى الله: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]، وقال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيم) [النساء:165] فالرسل وأتباعهم من الدعاة هم مبلغو حجة الله على عباده.

قال تعالى: (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [القصص:87].. (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [الشورى:15].. (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل:125].. (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ) [الحج:67].

وقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108].

فهذه النصوص وغيرها تدل على إيجاب الدعوة والبذل لها والاستقامة عليها، وأنها هي الصراط المستقيم، ولا شك أن من أعظم أنواع الدعوة دعوة الناس إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء:165].

والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



بحث عن بحث