الأمن والأمان

 

الخطبة الأولى

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله وراقبوه في السر والعلانية, واخشوه حق خشيته في سائر الأوقات والأزمنة المتتالية، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم المتوالية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) [فاطر: 3].

أيها المسلمون: نعم الله تعالى سبحانه وآلاؤه نعم عظيمة، نعمة التمسك بالإسلام، والاستقامة على الإيمان، ونعمة الأمن والأمان، والاستقرار والاطمئنان، في الدور والأوطان ونعمة الصحة والسلامة في الأبدان، ونعمة الأرزاق العاجلة والآجلة ... قال تعالى: ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النحل: 18]، وتحوط النعم كلها نعمة سلامة الله والعقيدة، فاحمدوا الله تعالى واشكروه على ما حباكم من هذه النعم فبالشكر تدوم النعم، قال الله تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) [إبراهيم: 7].

أيها المسلمون: الحديث عن نعم الله تعالى وما ينبغي تجاهها، وما يتعامل به المسلم معها حديث تحبه النفوس المؤمنة، وتطمئن له الأفئدة الشاكرة، المتعلقة بالمنعم سبحانه، وهذا ديدن الكرماء، فإن الكريم إذا أكرمته ملكته، فكيف وإذا كان المكرم أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون: إن من أجلِّ النعم وأعظمها بل وكثير من النعم تقوم عليها، وتؤدى من خلالها: نعمة الأمن والأمان في الدور والأوطان، والهدوء والاستقرار، هذه النعمة لا يعرف قيمتها وأهميتها وعظم شأنها إلا من ذاق مرارة فقدانها.

هذه النعمة العظيمة نوه الباري سبحانه وتعالى بشأنها في آيات كثيرة وفي مواضع متعددة من كتابه الكريم، حيث جعله سبحانه مطلب أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقد قال: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) [إبراهيم: 35]، فقدم إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الدعاء طلب الأمن على التوحيد.

وأشار إليه سبحانه في آيات مشابهة عند امتنانه على أهل مكة فقال: ( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) [قريش: 4]، ولعظمه فقد جعله الله تعالى صفة دائمة لبيته الحرام فقال: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) [العنكبوت: 67]، وقال سبحانه: ( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) [القصص: 57]، ولا شكَّ أيها المسلمون أنه بالأمن تستقر الحياة، ويأمن الناس على حياتهم ويستقيم معاشهم، ويأمنوا على أموالهم وأعراضهم ويتوجهون إلى العلم والعمل، والتحصيل والإنتاج في سائر مناحي الحياة، ويشتغل الناس في البناء والتمنية ويعبدون الله حق عبادته.

أيها المسلمون: في ظل الأمن يطيب طعم الطعام، وتظهر حلاوة المذاق، وتستقر الحقوق وتؤدى إلى أهلها.

وفي ظل الأمن يقر الساكن في بيته، ويأنس ويرتاح مع أهله وأولاده، وينام مرتاح البال مطمئن الضمير، لذلك كله وغيره جعل الإسلام الأمن من أهم المقاصد الشرعية التي يسعى إليها، فكان غاية عظمى وهدفًا أسمى، لا يجوز بأي وسيلة من الوسائل خدشه، فضلًا عن التعرض له وزعزعته. وقد توعد المتعرضين له بأشد الوعيد في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون: إن من تمام النعمة السعي إلى استمرارها واستقرارها وذلكم بشكر الله تعالى عليها والقيام بحقوقه حق القيام، واستعمال نعمه في طاعته واجتناب نواهيه، فإنه بالشكر تدوم النعم، قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) [إبراهيم: 7].

أيها المسلمون: وإن مما ينبغي أن تلهج الألسن فيه بالشكر، ما أتمه علينا من هذه النعمة في هذه البلاد المباركة التي حباها الله سبحانه وتعالى بما فقد في غيرها، فلقد كانت هذه البلاد مسرحًا للفتن والمشكلات، حتى منّ الله سبحانه وتعالى على أهلها بظهور دعوة التوحيد على يد الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وبقيام الحكم بشريعة الله على أيدي القادة من آل سعود أيدهم الله بتوفيقه منذ تعاهد الإمام محمد بن سعود مع الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله تعالى- حتى أصبحت هذه البلاد ولا تزال مضرب المثل في الأمن والاستقرار مما لم تظفر به أمة من الأمم التي تملك السلاح والقوة المادية، ولن تزال هذه البلاد بحول الله بخير وأمان متمسكة بعقيدة التوحيد وحكمة لشريعته.

أيها المسلمون: يجب أن يكون الجميع يدًا واحدة في كل أمور الخير ودفع الشر.

وعلى بيان كل من يريد الإخلال بهذا الأمن وذلك التماسك، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [المائدة: 2]، ثم إن مثل هذا التعاون من أفضل أبواب الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو سمة هذه الأمة ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) [آل عمران: 11].

إن كل مسلم على ثغر، فالله الله أن لا يؤتى دينه وعرضه ووطنه من ثغره.

أيها المسلمون: إذا كانت أجهزة الأمن الرسمية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن البحث والكشف عن الجناة فالجميع مسؤول كذلك، وأول واجبات هذه المسؤولية التعاون مع هذه الأجهزة الساهرة على راحة وأمن وطمأنينة الجميع، فبهذا الشعور الإيماني بهذه المسؤولية، يستمر الحفاظ على الأمن والرخاء والطمأنينة، وتكشف الأيدي العابثة الحاقدة، نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون: ما قيل عن أهمية الأمن وضرورته الحياتية يحتم على الأفراد معرفة مقوماته وركائزه التي من شأنها تعزز وجوده وتقويه، ومن أهميها: توحيد الله عزَّ وجلَّ وإقامة الشعائر التعبدية كالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الطاعات والعبادات ولذا قرن الله سبحانه الأمن بالتوحيد قال تعالى: ( {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) [إبراهيم : 35] .

ومنها: الإيمان بأهمية الولاية وتعبد الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالي، والاجتماع على ذلك إذ به يتوحد مصدر الأمر والنهي ورعاية المصالح، ومعالجة الأخطاء، ومقاومة الفساد والجريمة، ولذا شدد الإسلام على أهمية مراعاة ذلك والعمل به كما جاء في حديث الصحيح: «من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله»، ومن هنا صدر بيان هيئة كبار العلماء برعاية هذا الأصل العظيم الذي ينبني عليه تحريم كل وسيلة تخالفه كالمظاهرات والاعتصامات بدعوى المطالبة بالإصلاح وما هي إلا خدش لهذا الأمن وأضرار بالأرواح والممتلكات.

ومنها: أهمية إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بآدابها الشرعية ووسائلها المرعية القائمة على إشاعة المعروف وإظهاره وإزالة المنكر وتخفيفه، ومن أهمها الإخلاص، والصدق، والعلم، وحسن المقال في أحسن حال كما قال تعالى في شأن موسى وهارون مع فرعون ( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) [طه44].

ومنها: إقامة حدود الله في الأرض، ومعاقبة المفسدين بما تقتضي به الشريعة كل بحسب جرمه وجنايته كما هو مقرر في شأن الحدود والقصاص والتعزيرات قال تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ) [البقرة179]  .

أيها المسلمون: إن من المهم أن ندرك أن كثيرًا ممن يطالب بهذه المظاهرات في بلادنا ما هو إلا لمقاصد سيئة كإشاعة الطائفية المقيتة، أو المصالح الذاتية، أو الحسد والحقد على ما تنعم به البلاد من تحكيم الشريعة وإشاعة الأمن، ورعاية المصالح.

وهذا من المهام الكبرى التي يجب التنبه لها والحذر من الوقوع فيها.

إن المتابع لمثل هذه الأحداث يدرك تمامًا مدى حرص الأعداء على خلخله الأمن في هذه البلاد وتعكير صفو هذه النعمة فليتنبه أبناؤنا لمثل هذه الأعمال المسيئة حتى لا يقعوا فريسة لأعداء الله سبحانه وتعالى وللحاسدين والحاقدين ويكونون أدوات لهم.

أيها المسلمون: ومن مظاهر عدوانهم إطلاق الشائعات المغرضة، وتكبير الأخطاء، وجحدان النعم ولذا نبَّه الله سبحانه وتعالى لأهمية التثبت في نقل الأخبار وتقييد الأخطاء قال تعالى: ( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) [الحجرات : 6].

فالحذر الحذر أيها الشباب فأنتم عدة أنفسكم وأهليكم ومجتمعكم ووطنكم وأمتكم، وأنتم أملها ورجاؤها بكم تعمر البلاد والعباد، وبكم تنهض وتزدهر، وكما تنمو وتزدان فالله الله في تمثل دينكم وأخلاقكم، وتقدير مكتسبات آبائكم وأجدادكم، ومواصلة مسيرة بنائهم، أسسوا لكم وقرروا الأصول، فمن الوفاء والشكر المواصلة على الطريق، وإدراك المعامله الحقة، وعدوكم يتربص بكم فسدوا الطريق أمامه، فالبناء كبير، والهدم سهل لكن الإعادة أصعب.

أيها الأبناء طلبكم للعلم، وجدكم في العمل، وإتقان وسائل التقنية في البناء مع الارتباط بخالقكم، ورعاية والديكم والاستفادة من الإمكانات التي هيئت لكم من ولاة أموركم كلها عوامل لمواصلتكم نحو البناء، حقَّق الله بكم الآمال، وقوى بكم الرجاء، وأصلحكم وأصلح بكم.

ثم صلوا وسلموا على النبي البشير، كما قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب56].

أسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يرد كيد الكائدين وعدوان المعتدين، إنه سميع مجيب.

 

 



بحث عن بحث