رمضان شهر القرآن (1-11)

 

عجائب القرآن:

إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر وحوادثهم المكرورة قضايا كونية كبرى، يبين فيها عظمة الخالق وقدرته، وينشئ بها عقيدة قوية صافية، وتصوراً كاملاً للوجود.

كما يجعل فيها منهجاً للتفكير والنظر، وحياة للأرواح والقلوب، ويقظة في المشاعر والحواس، فيتحقق التوحيد، ويزيد الإيمان، وتطمئن القلوب، وتنقاد الجوارح للطاعة والعبادة: ( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) [الواقعة: 57 - 74].

إن الله عزَّ وجلَّ ينشئ العقيدة بعرض آيات قدرته في خلق الناس، وفي زرعهم الذي تزاوله أيديهم، وفي الماء الذي يشربون، وفي النار التي يوقدون، والموت الذي يشاهدون، ليقف الناس وجهاً لوجه أمام القدرة المطلقة المتصرفة.

فيرون كل وقت عظمة الرب، وكمال قدرته، وجمال صنعه.

إنه لا يكل الناس إلى الخوارق والمعجزات الخاصة المعدودة، إنما يكلهم إلى مألوفات حياتهم التي يشاهدونها كل يوم، ولكنهم يغفلون عنها لطول إلفهم لها، فيغفلون عن مواضع الإعجاز فيها.

فالمشاهدات المألوفة التي يراها الناس كل يوم، النسل والزرع، والماء والنار، والحياة والموت، فأي إنسان لم تدخل هذه المشاهدات في تجاربه؟.

أي ساكن كهف؟ .. وأي راع للغنم؟ .. وأي عالم ذرة؟ .. وأي عالم طبيعة؟ .. وأي عالم وأي جاهل؟.

أي واحد من هؤلاء وغيرهم على اختلاف مستوياتهم وأفكارهم، لم يشهد نشأة حياة حيوانية، ونشأة حياة نباتية، ومسقط ماء، وموقد نار، ولحظة وفاة.

من هذه المشاهدات والكائنات الهائلة التي يراها الإنسان، ينشئ القرآن العقيدة، وهي في بساطتها تخاطب فطرة كل إنسان، وتواجهه يومياً، فماذا يريد البشر فوق هذا؟: ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) [الجاثية: 6].

وهذا القرآن العظيم من أنزله؟ .. ومن أحكمه؟ .. ومن فصّله؟: ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) [هود: 1].

وماذا تضمنت آياته؟.

لقد تضمنت أمهات العقيدة وأصولها التي جاء القرآن يقررها، ويقيم عليها الأمة وهي: ( أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [هود: 2 - 4].

( أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ) فهو توحيد العبودية والطاعة لله سبحانه.

( إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ) فهي الرسالة وما تضمنته من بشارة ونذارة.

( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) فهي العودة إلى الله من الشرك والمعصية إلى التوحيد والطاعة.

( يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) فهو الجزاء للتائبين المستغفرين.

( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) فهو الوعيد للمتولين.

{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} فهي الرجعة إلى الله في الدنيا والآخرة.

( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فهي قدرة الله المطلقة، والسلطان الشامل على الكون وما فيه.

هذا هو الكتاب، وهذه هي الأصول التي يدعو إليها:

إيمان وتوحيد .. وبشارة ونذارة .. وعبادة ودعوة .. واستغفار وتوبة .. وثواب لأهل الطاعة .. وعقاب لأهل المعصية .. وعودة إلى الله القدير ليحكم بين العباد.



بحث عن بحث