تابع من علم آية كان له ثوابها ما تليت

أقوال المفسرين في معنى الآية :

" فالمراد بـ ( ما قدموا ) ما عملوا من الأعمال قبل الموت ، شبهت أعمالهم في الحياة الدنيا بأشياء يقدمونها إلى الدار الآخرة كما يقدم المسافر ثقله وأحماله .

وأما الآثار في آثار الأعمال وليست عين الأعمال بقرينة مقابلته بـ ( ما قدموا ) مثل ما يتركون من خير أو يثير بين الناس وفي النفوس "(1) .

وهناك قولان للمفسرين في قوله :( وآثارهم ):

القول الأول : تكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم ، وآثارهم التي أثروها من بعدهم ، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .

ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم :( مَنْ سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا )(2) .

" فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر.

ولهذا: ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) وهذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك، ونزول درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه، وأنه أسفل الخليقة، وأشدهم جرما، وأعظمهم إثما"(3) .

القول الثاني : إن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية .

ويشهد له قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال :خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: "إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد". قالوا: نعم، يا رسول الله، قد أردنا ذلك. فقال: "يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم"(4)

قال ابن كثير :" وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تُكتَب، فلأن تُكْتَبَ تلك التي فيها قُدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى، والله أعلم(5) .


(1) التحرير والتنوير ( 22 / 204 )

(2) أخرجه مسلم ، كتاب الزكاة ، بال الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة ( 1017 )

(3) تفسير السعدي 4 / 230

(4) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد ( ح665 )، ومعنى " دياركم تكتب آثاركم " أي الزموا دياركم ، فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد . شرح النووي على مسلم ( 5 / 169 )

(5) تفسير ابن كثير ( 6 / 591 ) .



بحث عن بحث