حرص السلف على تعلم القرآن وتعليمه

لقد حرص سلف الأمة الصالح رضي الله عنهم على تعلم القرآن الكريم وتعليمه ، وعُرف هذا الحرص في سلوك خيارهم وأصفيائهم ، وقدوتهم في ذلك معلم البشرية وهادي الإنسانية ، رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن ، وهو أعرف الناس بمنزلته .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حرص على تعليم أصحابه القرآن الكريم .

1 - إما بنفسه ، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن ، فإذا مر بسجود القرآن سجد وسجدنا معه "(1)

ولاشتهار هذا الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار أصلا يقاس عليه غيره ، ومن هذا القبيل قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن "(2) .

2 - وإما بتوكيل أصحابه ، وذلك إذا طرأ ما يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مباشرة التعليم بنفسه ، فإنه يوكل بعض أصحابه للقيام بمهمة تعليم القرآن .

فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغل ، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن )(3).

وعن أبي موسى رضي الله عنه :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن ، فأمرهما أن يعلما الناس القرآن )(4)

وعلى هذا النهج سار السلف الصالح بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث لم يخل عصر من معلمي القرآن الحرصين على تبليغه للناس ، وقد أثمرت جهود هؤلاء الأخيار وأدت إلى تواتر القرآن جيلا بعد جيل حتى وصل إلينا - بحمد الله تعالى - غضا طريا .

عن سعد بن عبيدة قال : وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا(5) .

ومعنى قول أبي عبد الرحمن السلمي :" وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا "

" أي : أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد ــ في مسجد الكوفة مدة طويلة - يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة "(6) .

ومثله أيضا الإمام المقرئ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني - أحد القراء السبعة - فقد أقرأ الناس دهرا طويلا يزيد عن سبعين سنة ، لأنه ممن طال عمره(7) .

وكذلك الإمام أبو منصور الخياط البغدادي : تخرج على يديه عدد كبير من قراء القرآن ، وقد وصفه الإمام الذهبي بقوله " جلس لتعليم كتاب الله دهرا ، وتلا عليه أمم "(8)

وقد لقن العميان دهرا لله ، وكان ينفق عليهم ، حتى بلغ عدد من أقرأهم من العميان سبعين نفسا .

قال الإمام الذهبي :" ومن لقنَّ القرآن لسبعين ضريرا ، فقد عمل خيرا كثيرا "(9)

وقال السمعاني :" رؤي بعد موته ، فقال : غفر الله لي بتعليمي الصبيان الفاتحة "(10) .

هؤلاء هم الرجال ، فمن رام أن يلحق بهم ، فليتشبه بهم وليتحقق بما تحققوا به من تعلم للقرآن وتعليم له.

فليس على المجد والمكرمات     إذا جئتها حاجب يحجبك


 


(1) أخرجه أحمد (6461 ) وقال محققو المسند : حديث صحيح ، ورواه مسلم بنحوه ، كتاب المساجد ، باب سجود التلاوة (575).

(2) أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى (1162).

(3) أخرجه أحمد (22818 ) وإسناده حسن ، والحاكم في المستدرك (5527) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

(4) أخرجه أحمد (19562 )وقال محققو المسند ( 19544 ) " إسناده حسن ، رجاله رجال الشيخين ، غير طلحة بن يحي ، وهو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي ، فمن رجال مسلم "

(5) رواه البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه ( 5027 ) .

(6) فتح الباري (9/ 97 ).

(7) انظر : معرفة القراء الكبار للذهبي ص64 .

(8)ت سير أعلام النبلاء 19 / 222 .

(9)السير ( 19 / 223 ).

(10) السير ( 19 / 224 ).



بحث عن بحث