واقع الناس وأهداف القرآن

 

إن القرآن لم ينزل من علياء السماء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تميمة يحتجب بها ، أو أورادا تقرأ على المقابر وفي المآتم ، أو ليكتب في السطور ، ويحفظ في الصدور ، أو ليحمل أوراقا ويهمل أخلاقا ، أو ليحفظ كلاما ويهجر أحكاما .. وإنما نزل ليهدي البشرية إلى السعادة والخير (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[ سورة المائدة / 15 ، 16 ].

إذن ليس المقصود من القرآن ــ كما يقول أحد الصالحين ــ مجرد التلاوة ، أو التماس البركة ، وهو مبارك حقا ، ولكن بركته الكبرى في تدبره ، وتفهم معانيه ومقاصده ، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنوية على السواء ، ومن لم يفعل ذلك ، واكتفى بمجرد التلاوة بغير تدبر ولا عمل ، فإنه يخشى أن يحق عليه الوعيد الذي يرويه البخاري عن حذيفة رضي الله عنه : ( يا معشر القراء : استقيموا فقد سبقتم سبقا عظيما ، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا )(1).

هل نقرأ لنفهم أم نقرأ لنقرأ ؟!

للشيخ الغزالي ــ رحمه الله ــ كلام دقيق يؤكد هذا المعنى ، فيقول في كتاب " كيف نتعامل مع القرآن " :" حال المسلمين مع القرآن الكريم تستدعي الدراسة المتعمقة ، ذلك أن المسلمين بعد القرون الأولى ، انصرف اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة ، وضبط مخارج الحروف ، واتقان الغُنن والمدود ، وما إلى ذلك مما يتصل بلفظ القرآن والحفاظ على تواتره كما جاءنا ، أداء وأحكاما ــ أقصد أحكام التلاوة ــ لكنهم بالنسبة لتعاملهم مع كتابهم ، صنعوا شيئا ربما لم تصنعه الأمم الأخرى .. فإن كلمة " قرأت " عندما يسمعها الإنسان العادي أو يقولها ، تعني : أن رسالة جاءته أو كتابا وقع بين يديه فنظر فيه ، وفهم المقصود منه .. فمن حيث الدلالة لا أجد فكاكا بين الفهم والقراءة ، أو بين السماع والوعي .

أما الأمة الإسلامية فلا أدري بأية طريقة فصلت بين التلاوة وبين التدبر ، فأصبح المسلم اليوم يقرأ القرآن لمجرد البركة كما يقولون ، وكأن ترديد الأفاظ دون حس بمعانيها ، ووعي لمغازيها ، يفيد أو هو المقصود .

وعندما أحاول أن أتبين الموقف في هذا التصرف ، أجد أنه مرفوض من الناحية الشرعية ، ذلك أن قوله تعالى :( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ سورة ص / 29 ]يعني : الوعي والإدراك والتذكر والتدبر .. فأين التدبر ؟ وأين التذكر مع تلك التلاوة السطحية التي ليس فيها أي إحساس بالمعنى ، أو إدراك للقصد "(2)


(1) نظرات في كتاب الله ص 88 . والحديث أخرجه البخاري

(2) كيف نتعامل مع القرآن ص 27 .



بحث عن بحث