قصة الأنصار يوم حنين

 

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ ، فَطَفِقَ يُعْطِى رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِى قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَقَالَتِهِمْ ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: « مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ » . قَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو آرَائِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا ، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِى قُرَيْشًا وَيَتْرُكُ الأَنْصَارَ ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « إِنِّي أُعْطِى رِجَالاً حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَاللَّهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ » . قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا . فَقَالَ لَهُمْ: « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أُثْرَةً شَدِيدَةً ، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْحَوْضِ ». قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ(1).

وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا ، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ:« يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي ، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي وَعَالَةً ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» . كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ . قَالَ: « مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- » . قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ . قَالَ: « لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا . أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رِحَالِكُمْ ، لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ » (2).

 

شرح المفردات(3):

(أثْرَة) الاستئثار: التفرد بالشيء من دون غيره، والأثرة: الاستئثار بالمشترك ، أي ُيستأثر عليكم وُيفضل عليكم غيركم بغير حق .

(الدثار) : الثوب يكون فوق الشعار أي الأنصار هم الخاصة والناس العامة.

(الشعار) : ما ولى الجسد دون سواه من الثياب. وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه. وأراد أيضا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم .

 

من فوائد الحديث(4):

1- إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه.

2- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجتمع الأنصار في مكان واحد و لم يدع معهم أحداً، ولعل من الحكمة في ذلك لما أراد أن يبين لهم من فضلهم وإيمانهم، ومحبته لهم، وما سيقع لهم مما لا يشركهم فيه غيرهم.

3- حسن أدب الأنصار في تركهم المماراة ، والمبالغة في الحياء ، وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم .

4- فيه مناقب عظيمة للأنصار لما اشتمل من ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم البالغ عليهم.

5- أن الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه ، ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق .

6- فيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبه بإقامة حجة من عتب عليه ، والاعتذار والاعتراف، حيث بين صلى الله عليه وسلم عنهم بلسانه عن فضلهم عليه فقال عليه الصلاة و السلام ( أما ولله لـو شئتم لـقلتم فلـصدقتم ولصدقتم آتيتنا مكذباً فـصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك, وعائلاً فآسيناك ) .

7- فيه علم من أعلام النبوة لقوله : " ستلقون بعدي أثرة " فكان كما قال .

8- أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء ، وأن له أن يعطي الغني منه للمصلحة .

9- أن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك.

10- كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره لما يعتري النفوس من ضعف، وتطلع للدنيا، حيث بين لهم صلى الله عليه وسلم أسباب تفضيل غيرهم عليهم في العطاء، كما بين لهم ما خصهم الله تعالى به من التوفيق للنصرة، ومن محبته لهم، وإيثاره لهم على من سواهم، فسكنت نفوسهم، ورضوا بما قسم الله لهم.

11- مشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواء كان خاصاً أم عاماً .

12- جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة .

13- تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة، وتقديم جانب الآخرة على الدنيا ، والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة ، والآخرة خير وأبقى .

14- الحض على طلب الهداية والألفة والغنى.

15- أن المنة لله ورسوله على الإطلاق؛ فهو الموفق للطاعة، وهو من يثيب عليها، وهو سبحانه المعطي المانع، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

16- أن على كل مسلم أن يعرف قدر الأنصار ومنزلتهم، وأن يبذل لهم المحبة، ويترضى عنهم، ويتعرف على أخلاقهم وسيرهم، ويتأسى بهم، جمعنا الله تعالى بهم في جنات النعيم.

 

 


(1) صحيح البخاري، رقم (3147  )، وصحيح مسلم، رقم (2483).

(2) صحيح البخاري، رقم (4330).

(3) النووي، شرح صحيح مسلم (4/13) فتح الباري - ابن حجر - (7 / 427).

(4) انظر: فتح الباري - ابن حجر - (7 / 427).



بحث عن بحث