الحلقة الثامنة

 

اعتماد الكتاب والسنة مرجعين أساسين للمعرفة (2)

 

 

     ومن مقتضيات مرجعية النصوص لزوم الفهم الصحيح لها بما يوافق مراد الله تعالى منها لا بحسب الأهواء والأحوال والمصالح.

   وحيث جاءت النصوص بلسان عربي مبين، واتجه الخطاب فيها أصالة إلى من عاصروا التنزيل من الصحابة – رضي الله عنهم- ، وهم عقلوا عن الله عز وجل مراده، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطابه، فلزم اعتماد بيانهم وتفسيرهم لما تلقوه من خطاب الشارع، ولذا كان من القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة أنهم يعتمدون تفسير الصحابة – رضي الله عنهم – وفهمهم للنصوص، لأنهم " حضروا التنزيل، وفهموا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، واطلعوا على قرائن القضايا، وما خرج عليه الكلام من الأسباب والمحامل التي لا تدرك إلا بالحضور، وخصهم الله تعالى بالفهم الثاقب، وحدة القرائح، وحسن التصرف، لما جعل الله فيهم من الخشية والزهد والورع، إلى غير ذلك من المناقب الجليلة، فهم أعرف بالتأويل، وأعلم بالمقاصد .. " (1).

   والزعم بأن التقيد بفهم السلف للنصوص من شأنه تعطيل العقل، أو البعد عن الواقع(2)، غلواً في النظرة، ومجافاةً للحقيقة .

   وذلك لأن التزام فهم السلف لما جاءت به النصوص هو السبيل لتحقيق العلم الصحيح بها وفهمها وفق مراد الشارع منها، بعيداً عن مسالك التأويل المنحرف لها والشطط في بيانها.

   وقد وقف التابعون ومن تبعهم بإحسان عند فهم الصحابة – رضي الله عنهم – للنصوص فلم يمنعهم ذلك من معايشة واقعهم، ومعالجة مستجداته، وحسن الانتفاع بمعطيات عصورهم وبيئاتهم، بل والتفاعل مع الثقافات الأخرى، واستثمار إيجابياتها النافعة، والبناء عليها، مع كشف زيف السلبيات الضارة فيها لوقاية الإنسان من آثارها السيئة على سعادته الدنيوية والأخروية (3).

   كما أن دعوى التعويل في فهم النصوص على العقل البشري، وبحسب الظروف والأحوال(4)، مؤداه تجاوز النصوص وإبطال العمل بها، وإحلال ما يوافق الأهواء والشهوات محلها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-:" وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون: إن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال إلا ما هو الحق في نفس الأمر، وإن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة، وإلى الاستعانة بغرائب المجازات والاستعارات، وهم في أكثر ما يتأولونه قد يعلم عقلاؤهم علما يقينا أن الأنبياء لم يريدوا بقولهم ما حملوه عليه" (5).

    ويؤكد ابن القيم – رحمه الله - على أن الواجب على المسلم وهو يتلقى نصوص الوحي:" أن يفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه مالا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع ولاسيما إن أضيف إليه سوء القصد .."(6).


 


(1) الحافظ العلائي، صلاح الدين خليل، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (1407هـ) الكويت، مركز المخطوطات والتراث، تحقيق: محمد سليمان الأشقر(ص64).

(2)   انظر: حنفي، حسن، التراث والتجديد(1980م) القاهرة (ص182).

(3)   انظر : ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (6/272 – 273). الزنيدي، السلفية وقضايا العصر(1418هـ) الرياض، دار اشبيليا.(ص107 – 108).

(4) انظر: الحمد، تركي، السياسة بين الحلال والحرام(2000م) بيروت، دار الساقي (ص 177،61).

(5) درء التعارض، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية(1402هـ)، تحقيق: محمد رشاد سالم.(1 /10).

(6) الروح،(1397هـ) بيروت، دار الفكر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (1/62-63).



بحث عن بحث