تقسيم الخبر باعتبار قائله أو باعتبار النسبة والإضافة(6)

الحديث الموضوع(1)

 

تعريفه :

لغة:يقال:وضع الشئ من يده يضعه وضعاً وموضعاً وموضوعاً حطه , وقد وضع الدين أسقطه (1)  .

قال ابن دحية : الموضوع الملصق يقال : وضع فلان على فلان عاراً إذا الصقه به والوضع أيضا الحط والإسقاط (2)  .

واصطلاحاً : هو المختلق المصنوع (3) المفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ,سمي بذلك لأن الأحاديث التي اختلقها الفسقة ساقطة ومنحطة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذ هي كلام غيره (4)  .

وقد استنكر العلماء على الخطابي (5) وابن الصلاح (6) قولهما : إنه شر الأحاديث الضعيفة لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي وأفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه .

وقد أجيب بأنها لم يقصد بالأحاديث الأحاديث النبوية بل مرادهما ما هو أعم من ذلك وهو ما يتحدث به أو سمي بذلك تجوزاً حسب دعوى من اختلقه

بداية ظهور الوضع في الحديث:

من  التعاليم  والقيم التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الصّدق ، فقد عُرف - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتحلى بالصدق ويتحراه ، ويتصف به ، وبلغ من التحلي به أن سمي قبل الرسالة بالصادق الأمين ، وقد رغّب - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الصدق وحذّرهم من الكذب (7)

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) (8)

فجاءت هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث محذرة من الكذب مطلقاً ، فجعل الصحابة – رضوان الله عليهم – يتحرون الصدق في أقوالهم وأفعالهم


فلم يعرف عن صحابي واحد أنه كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعظم من أن يكذبوا عليه (9)  فكان عصر الصحابة من أنظف العصور وأسلمها من حيث استقامة المجتمع وصلاحهم (10)  فكانوا من حملة الآثار عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وجابوا البلدان ليبلغوا ما حملوا من دين الإسلام ، فهم العدول بتزكية من الله تعالى ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وكان الصدق شعارهم ، فلم يعرف الكذب بينهم ، وكان الواحد منهم لا يُكذّب الآخر ، بل كان يحرص على التوثّق منه ، والحرص على الحقّ.


وقد عيّن بعض العلماء بداية الوضع ، حيث ظهر لهم أنه بدأ في سنة أربعين ، وقيل : إحدى وأربعين بعد الهجرة ، على عهد الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، حين تنازع المسلمون شعياً وأحزاباً ، وانقسموا سياسياً إلى جمهور ، وخوارج ، وشيعة ، أي أن الوضع ظهر وبدأ مع ظهور الفتنة والانقسام بين المسلمين  (11)
إذاً فظهور الوضع في الحديث بدأ باندلاع الفتنة التي أشعل فتيلها أقوام من الحاقدين على الإسلام المتّشحين بوشاحه كعبدالله بن سبأ ومن معه(12)فأخذوا ينشروا الإشاعات ، ويضعون الأحاديث ويختلقونها ؛ لينتصروا لمذهبهم ، وحزبهم ، ويثلبوا خصمهم ومخالفهم.

وأول معنى طرقه الوضاعون في الحديث هو فضائل الأشخاص ، فقد وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم كحديث : (عليٌّ خيرُ البشر ، فمن أبى فقد كفر) (13)  وحديث : (الأمناء عند الله ثلاثة : أنا، وجبريل ، ومعاوية ((14)

أسباب الوضع :

الأسباب التي حملت بعض الناس على اختلاق الأحاديث وافترائها على رسول الله صلى الله عليه وسلم  كثيرة جدا لكن يمكن أن نجمل أهمها فيما يلي :

1/ التقرب إلى الله تعالى بوضع الحديث ترغيباً للناس في الخيرات وترهيباً من فعل المنكرات وهؤلاء قوم ينسبون إلى الزهد والصلاح وهم شر أنواع الوضاعين لقبول الناس موضوعاتهم ثقة بهم ومن هؤلاء : أبو عصمة نوح بن أبي مريم .

2/ قصد الواضع إفساد الدين على أهله وتشكيكهم فيه وهذا إنما صدر عن

الزنادقة ومنهم : عبد الكريم بن أبي العوجاء ومحمد سعيد المصلوب (15) .

3/ الانتصار للمذاهب ولا سيما أصحاب الأهواء والبدع كالخطابية(وهي فرقة شيعية) وبعض السالمية ( أتباع سالم الجواليقي يقولون بالتجسيم وحلول الحوادث)  فقد وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم أو ثلباً لمخالفهم فقد روى عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته قوله : انظروا هذا الحديث ممن تأخذون فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثاً (16) .

4/ الرغبة في التكسب والارتزاق كبعض القصاص الذين يتكسبون بالتحدث فيوردون بعض القصص المسليَة والعجيبة حتى يستمتع الناس إليهم ويعطوهم وقد اشتهر بذلك جماعة منهم : أبو سعيد المدائني .

5/ قصد الواضع والتزلف إلى الخلفاء والنفاق لهم لتتسع له مجالسهم وتنفق سوقه عندهم ومن هؤلاء غياث بن إبراهيم ألنخعي (17)  .

6/ قصد الواضع الشهرة ومحبة الظهور حيث جعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً وجعل بعضهم إسناده المشهور ليستغرب ويطلب سمعه .

هذه أسباب دفعت أصحابها إلى التعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم  لكن هناك أسباب أوقعت أصحابها في الكذب من غير تعمد له أهمها ما يلي :

1/ غلبة الزهد والعبادة على بعض الناس حتى جعلتهم يغفلون عن الحفظ والتميز حتى صار الطابع لكثير من الزهاد الغفلة .

2/ ضياع الكتب أو احتراقها ممن يعتمد عليها ثم بعد ذلك يحدث من حفظه فيقع الغلط في كلامه وذلك مثل : عبد الله بن لهيعة .

3/الاختلاط فقد حصل لقوم ثقات أن اختلطت عقولهم في أواخر أعمارهم فخلطوا في الرواية وقلبوا والمرويات وذلك مثل إسماعيل بن عياش وغيره .


(1) القاموس المحيط وشرحه مادة (وضع) .

(2) أداء ما وجب لابن دحية ص 204

(3) علوم الحديث ص 89 .

(4) اداء ما وجب ص 104 .

(5)  معالم السنن 1/6  

(6) علوم الحديث ص 89

(7) الوضع في الحديث ، لفلاته (1/177) .

(8)  متفق عليه ، أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الإيمان ، باب علامة المنافق ، ح (33) ، (فتح-1/113) ، ومسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان ، باب خصال المنافق ، ح (59) ، (1/46( .

(9)  الوضع في الحديث النبوي ، أ.د. عمر سليمان الأشقر  ص19

(10)   أصول علم الحديث بين المنهج والمصلح ، د. أبو لبابة حسين ، ص (89)

(11) - علوم الحديث ومصطلحه ، د. صبحي الصالح ، ص (266) ، وأصول الحديث علومه ومصطلحه ، د. محمد عجاج الخطيب ص (415) ، وموسوعة علوم الحديث وفنونه (3/489)

(12)  - أصول علم الحديث بين المنهج والمصلح ، د. أبو لبابة حسين ص (91)  .

(13)  أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات  كتاب الفضائل والمثالب ، باب في فضل علي - رضي الله عنه - ، (2/109)

(14) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات كتاب الفضائل والمثالب ، باب في ذكر معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ، (2/253)

(15)  الموضوعات لابن الجوزي 1/38 واللالي المصنوعة 2/468 والمصنوع للقاري ص 202 .

(16)   المحدث الفاصل ص 416 والمجروحين 1/82 .

      (17)   المدخل في اصول الحديث ص 100 ضمن المجموعة الكاملة رقم 2

 



بحث عن بحث