تقسيم الخبر باعتبار قائله أو باعتبار النسبة والإضافة(4)

ثالثاً:الحديث الموقوف

 

تقدم الكلام عن الحديث القدسي, ثم المرفوع لشرف النسبة والإضافة .

وسنأخذ في هذه الحلقة الحديث الموقوف .

تعريفه:

أ) لغةً: 

‎‎ اسم مفعول من "وقف " كأن الراوي وقف بالحديث عند الصحابي، ولم يتابع سرد باقي سلسلة الإسناد.‏

ب)اصطلاحاً

هو ما انتهى غاية إسناده إلى الصحابي  من قول أو , وفعل ,أو تقرير .

شرح التعريف ومحترزاته

و الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللته ردة  على الصحيح(1) .

هذا ما رجحه ابن حجر رحمه الله . والمراد باللقاء ما هو أعم بالمجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الأخر وإن لم يكلمه .

قال الحافظ : والتعبير باللقي أولى من قول بعضهم : الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يخرج ابن أم مكتوم ونحوه من العميان وهم صحابة بلا تردد .

وقوله (مؤمناً) يخرج من حصل له اللقاء المذكور لكن حال كونه كافراً (2)

وقوله (به) يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره . من الأنبياء .

لكن هل يخرج من لقيه مؤمناً بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة . ؟

قال الحافظ فيه نظر.

قلت : ومثاله : ورقة بن نوفل حيث ذكره الطبري، والبغوي، وابن قانع، وابن السكن، وغيرهم في الصحابة .

قال الحافظ في الإصابة وفي إثبات الصحبة له نظر(3) , لقوله في قصة بدء الوحي : فلم ينشب ورقة أن توفى , فهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام .

ثم ذكر الحافظ خبراً مرسلاً – وصفه بأنه جيد – على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال .

ثم قال : والجمع بينه وبين حديث عائشة أن يحمل قوله : ولم ينشب ورقة أن توفى , أي قبل أن يشتهر الإسلام (4) ثم ذكر الحافظ خبراً ضعيفاً يدل على أن ورقة مات على نصرانيته (5)

وقوله (ومات على الإسلام) يخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمناً به ومات على الردة كعبيد الله بن جحش وابن الأخطل .

وقوله : (ولو تخللت ردة) أي بين لقيه له مؤمناً به وبين موته على الإسلام , فإن اسم الصحبة باق له سواء أرجع إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم أو بعده وسواء لقيه ثانياً أم لا ؟ كالأشعث بن قيس , فإنه كان ممن ارتد وأتي به أبوبكر الصديق أسيرا فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوجه أخته ولم يتخلف احد عن ذكره في الصحابة ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها .

وقال الحافظ في الإصابة : ويدخل في قولنا مؤمناً به , كل مكلف من الجن والإنس , فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور(6).

وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته .

وقال ابن حزم في المحلي في الأقضية : من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة , فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القران من النبي صلى الله عليه وسلم فهم صحابة فضلاء فمن أين للمدعي إجماع أولئك .

قال ابن حجر في الإصابة : وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافق عليه , وإنما أردت نقل كلامه في كونهم صحابة . وهل تدخل الملائكة ؟محل نظر.

قد قال بعضهم :إن ذلك ينبني على أنه هل كان مبعوثاً إليهم أو لا ؟ وقد نقل فخر الدين الرازي في أسرار التنزيل الإجماع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مرسلاً للملائكة . ونوزع في هذا النقل بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم .

قال ابن حجر:وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى(7)

أمثلته

‏أ) الموقوف القولي


‏ وَقَالَ‏ ‏عُمَرُ رضي الله عنه ‏)‏تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ ‏ ‏تُسَوَّدُوا(

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ البخاري (‏ ‏وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا ‏ ‏وَقَدْ تَعَلَّمَ ‏‏أَصْحَابُ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ)(8)


ب)الموقوف الفعلي


قول البخاري(وأَمَّ ابن عباس وهو مُتَيمِّمٌ)(9)


 

(1)  ـ نزهة النظر ص( 93).

(2) فتح المغيث 1/98

(3) الاصابة 3/634 . قال الحافظ ابن كثير: " وقوله: ثم لم ينشب ورقة أن توفي أي توفي بعد هذه القصة بقليل رحمه الله ورضي عنه فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وجد، وإيمان بما حصل من الوحي ونية صالحة للمستقبل [ ينظر: البداية والنهاية ( 3/9 ) ]

(4) حديث بدء الوحي مخرج في البخاري 1/22, وغيره .

(5)  الاصابة 3/635, وقد ذكر الحافظ بعض ما يدل على ان النبي صلى الله عليه وسلم راه في الجنة .

(6) الاصابة 1/4 . وأخرج الإمام أحمد في المسند ح ( 23231 ) من حديث عائشة – رضي الله عنها- : أَنَّ خَدِيجَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَقَالَ: " قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ فَأَحْسِبُهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثِيَابَ بَيَاضٍ " ، قال ابن كثير: " وهذا إسناد حسن، لكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلاً " فالله أعلم بالصواب

(7) المصدر السابق 1/8

(8) - صحيح البخارى-العلم-بَاب ‏ ‏الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ

(9) صحيح البخارى-كتاب التيمم-باب الصعيد الطيب وَضوء المسلم-1\446.



بحث عن بحث