مشكل أحاديث شؤم المرأة(15)

 

 

الترجيح:

وبهذا يمكن أن نقول: إن العلماء قد انقسموا إلى فريقين كبيرين:

الأول ـ فريق يرفض نسبة الشؤم إلى المرأة ابتداءً، معتبراً أن حديث الشؤم، إنما هو حكاية عن أهل الجاهلية، أو أن هذا الحديث مقطوعاً عن سياقه الذي عرفناه من خلال حديث عائشة رضي الله عنها ـ يعارض الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة التي تنفي الشؤم، والتي تشكل بمجموعها أصل الشريعة في قضية الشؤم.

الثاني ـ وفريق آخر يمشي مع ظاهر الحديث، ويقبل بوجود الشؤم في المرأة، ولكنه يصرف هذا الظاهر إلى معانٍ طارئة على المرأة، مثل سوء أخلاقها أو عقم رحمها.

وفي الحقيقة فإني أرجح قول أصحاب الفريق الأول ـ ابن قتيبة، الطحاوي، ابن عبد البر من القدامى، والألباني، البلتاجي من المعاصرين ـ اقتناعاً بأدلتهم، وإعمالاً للأدلة القرآنية والنبوية الأخرى النافية للشؤم أصلاً.

إن حديث الشؤم الذي رُوي عن بعض الصحابة، حديثٌ صحيح ثابت، لكنه مقطوعٌ عن سياقه الكامل الذي روته لنا السيدة عائشة رضي الله عنها، وزيادة عائشة ـ التي تقوَّت بسبب تعدد طرقهاـ في هذا الحديث مقبولة لأنها زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة كما هو معروف في قواعد علم الحديث.

وبهذه الطريقة، فنحن نَعمل ونأخذ بكل الأدلة والآيات والأحاديث دفعة واحدة دون أن نخسر أو أن نفرِّط بأيٍ منها، أو نلجأ إلى التأويل، لأن إعمال الكلام على حقيقته أولى، كما هو معروف في قواعد تفسير النصوص. أما إذا أخذنا بظاهر الحديث بعيداً عن زيادة السيدة عائشة فإننا سنقع بمشكلة التعارض بين حديث الشؤم، وبين كل الآيات والأحاديث الأخرى النافية للشؤم بعمومها، وتعود المشكلة من جديد، ونعود للتأويلات البعيدة والمتكلّفة أحياناً، والتي قد تُوقعنا بمشكلةٍ أكبر من المشكلة التي أردنا حلّها، وخاصة عندما تذهب هذه التأويلات إلى اعتبار عقم المرأة أحد مصادر شؤمها العَرَضي، إذ إن الإسلام لا يوافق البتة على وصف المرأة بهذا الشؤم، حتى ولو كان عارضاً، بسبب أمرٍ أراده الله عز وجل لها، وامتحنها هي وزوجها فيه، فالمرأة العقيم في نظر الإسلام لا تختلف إطلاقا عن المرأة الولود من حيث الكرامة، والقيمة والمنزلة الإنسانية والاجتماعية، بل هي تستحق من زوجها ومن بقية أفراد أسرتها ومجتمعها القريب منها، الرعايةَ النفسية الدافئة للتخفيف عليها بسبب ابتلاء الله تعالى لها بحرمانها من الأمومة، ولا يُقبل في أية حالةٍ من الحالات معاقبتُها على هذا الابتلاء الرباني المحض، ووصفها بالشؤم العارض أو بالتشاؤم منها بأي شكلٍ من الأشكال، فهذا اعتراضٌ خفي غير مقبول على الإطلاق على إرادة الله سبحانه التي بيَّنها لنا بقوله تبارك وتعالى في محكم تنزيله: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) [الشورى: 49ـ 50].

ونحن نرفض أيضاً التأويلات التي تفسِّر شؤم المرأة بأسباب عارضة عليها مثل سلاطة اللسان، وشراسة الطبع، وسوء الأخلاق لأن هذه الصفات العارضة قد تعرض للرجال والنساء على السواء دون أدنى تمييز، لأسباب موضوعية لا علاقة لها أصلا بالشؤم وغيره من المعاني التي تبعد عن التفسير العلمي المقبول في هذه الحالات، وليس من المقبول في هذه الحالة أن نصف المرأة وحدها بالشؤم من أجلها، ونمتنع عن وصف الرجال بالشؤم من أجل هذه الصفات العارضة القابلة للعلاج والتغيير، لذلك من العدل ـ والعدل روح الإسلام ـ أن نمتنع أيضاً عن وصف النساء بالشؤم من أجل هذه الصفات.

وبهذا يتبين لنا رجحان الرأي الأول الذي يرفض نسبة الشؤم للمرأة أصلاً، ويغلق بشكل محكم باب التعارض بين نصوص الإسلام الصحيحة الثابتة، ويرفض التأويلات التي تشوه جمال الإسلام، وتتعارض مع مقاصده(1) .


(1) انظر بحث : حازم محيي الدين  ( قضية شؤم المرأة في المصادر الحديثية وشروحها ) .



بحث عن بحث