مشكل أحاديث شؤم المرأة(8)

 

 

بقية أقوال العلماء :

أبو عمر يوسف بن عبد البرّ (463هـ)

قال ابن عبد البر في كتابه: التمهيد تعقيبا على حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله  قال: (الشؤم في الدار والمرأة والفرس). ...هذا حديث صحيح الإسناد...

أما المتن، فقد اختلفت الآثار عن النبي ، فروى مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول  قال:( إن كان ففي الدار والمرأة والفرس)، يعني الشؤم. فلم يقطع  في هذا الحديث بالشؤم.

ورُوي عنه أنه قال: (لا شؤم، واليمن في الدار والدابة والخادم)، وربما قال ( في المرأة )، وهذا أشبه بالأصول. لأن الآثار ثابتة عن النبي  أنه قال: (لا طيرة ولا شؤم ولا عدوى).

حدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن معاوية قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم الطائي، عن يحيى بن جابر الطائي عن معاوية بن حكيم عن عمه حكيم بن معاوية قال: قال رسول الله: (لا شؤم وقد يكون اليُمن في المرأة والدار والفرس)(1).

عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طيرة، وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال : الكلمة الصالحة)(2).

هذا أصح حديث في هذا الباب في الإسناد والمعنى ... وأما قوله في هذا الحديث: الشؤم في الدار والمرأة والفرس. فهو عندنا على غير ظاهره، وسنقول فيه بحول الله وعونه لا شريك له... ونقول في معنى حديث هذا الباب بما نراه يوافق الصواب إن شاء الله.

فقوله عليه السلام:( لا طيرة) نفي عن التشاؤم بشيء من الأشياء، وهذا أشبه بأصول شريعته  من حديث الشؤم، ... والذي أقول به في هذا الباب، تسليم الأمر لله ، وترك القطع على الله بالشؤم في شيء، لأن أخبار الآحاد لا يقطع على عينها، وإنما توجب العمل فقط.

قال الله تبارك اسمه: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [التوبة51].

وقال تعالى: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )[الحديد:22].

فما قد خُطَّ في اللوح المحفوظ، لم يكن منه بد، وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئا من ذلك، والله أعلم، وإياه أسأل السلامة من الزلل في القول والعمل برحمته، ... وكانت عائشة تنكر حديث الشؤم وتقول: إنما حكاه رسول الله عن أهل الجاهلية وأقوالهم، وكانت تنفي الطيرة ولا تعتقد شيئا منها، حتى قالت لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال: ما تزوجني رسول  إلا في شوال، وما دخل بي إلا في شوال، فمن كان أحظى مني عنده؟ وكانت تستحب أن يدخلن على أزواجهن في شوال... وقد يحتمل أن يكون قول رسول الله الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرس. كان في أول الإسلام خبراً عما كانت تعتقده العرب في جاهليتها على ما قالت عائشة، ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن"(3)

من خلال هذا المقتبس الطويل، نلاحظ أن ابن عبد البر، وعلى الرغم من إقراره بأن حديث "شؤم المرأة" صحيح الإسناد، إلا أنه رحمه الله تعالى قد عارضه بما يلي:

1 - الأحاديث الثابتة النافية للشؤم والطيرة بشكل عام ، والتي تشكل بمجموعها أصل الشريعة في مسألة الشؤم لأنها توافق ظاهر الآيات القرآنية الكريمة التي حصرت الضرر والمصائب بما كتبه الله تعالى على البشر بمحض إرادته ومشيئته تعالى فقط.

2 - ضرورة تسليم الأمور لله تعالى وترك الجزم بوجود الشؤم ، لأن خبر الشؤم خبر آحاد، والآحاد لا تفيد القطع.

3 - صرف ظاهر الحديث إلى الإخبار عن عادة أهل الجاهلية، جرياً وراء الحديث الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها في هذا الصدد.

4 - احتمال أن يكون هذا الحديث قد جاء في أول الإسلام على سبيل الإخبار عن عادةٍ من عادات أهل الجاهلية، ثم نُسخ بعد ذلك بما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة من نصوصٍ تنفي الشؤم من أصله.


 


(1) رواه الترمذي، سنن الترمذي، كتاب: الأدب عن رسول الله، باب: ما جاء في الشؤم، رقم الحديث: 2750. ورواه ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب: النكاح، باب: ما يكون فيه الشؤم، رقم الحديث: 1983.

(2) رواه مسلم، الجامع الصحيح، كتاب: السلام، باب: الطيرة والفأل وما يكون فيه، رقم الحديث: 4132. ورواه مسلم أيضاً عن طريق أنس بن مالك رضي الله عنه في الكتاب والباب نفسهما، رقم: 4133. ورواه عن طريق أنس الترمذي، سنن الترمذي، كتاب: السير عن رسول الله، باب: ما جاء في الطيرة، رقم الحديث: 1540. قال الترمذي عنه: حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود عن أنس، سنن أبي داود، كتاب: الطب، باب: في الطيرة، رقم الحديث: 3415.

(3) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: سعيد أحمد أعراب، ( المملكة المغربية، 1401هـ/1981م 9/278-290.



بحث عن بحث