مشكل أحاديث شؤم المرأة(5)

ثانيا : وجه الإشكال في الحديث

بعد عرض روايات الحديث الثلاث يتبين لنا أن ظاهر الرواية الأولى ( إنما الشؤم في المرأة... ) يشير إلى حصر الشؤم في أمور ثلاثة منها "المرأة"، وكذلك فإن الرواية الثانية (الشؤم في ثلاثة في المرأة ... ) تُخبر بوضوح أن الشؤم موجود في المرأة. أما ظاهر الرواية الثالثة ( إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة ... )، فإنه علَّق ثبوت الشؤم فيها بثبوت الشؤم نفسه، وبهذا التعليق، فإذا ثبت الشؤم، كما يثبته ظاهر الروايتين السابقتين، فيثبت الشؤم بحق المرأة هنا أيضاً بموجب هذه الرواية الثالثة. وبهذه الطريقة فإن نسبة الشؤم إلى المرأة أمر ثابت بموجب هذه الروايات الثلاثة بطريقة أو بأخرى.

وفي الحقيقة، فإن هذا الشؤم المنسوب للمرأة يسبب إشكالاً كبيراً في ميزان المقاييس الإسلامية، إذ إنه:

1 - يتعارض أولاً مع بعض الآيات القرآنية الكريمة التي تشير بوضوح إلى أن المصائب التي تصيب البشر إنما هي نتيجة أعمالهم وما يكسبونه بأيديهم هم أنفسهم، وليس بسبب شؤم هذا أو ذاك، وما سوى ذلك من الأسباب الزائفة. انظر إلى قول اللهتعالى:( وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ) [النساء: 78ـ 79]. وقوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) [الشورى: 30].

2 -  ظاهر هذا الحديث يتعارض أيضاً مع بعض الأحاديث الثابتة التي تنفي الشؤم والطيرة بشكل عام ، وبعض الأحاديث التي تنفي شؤم المرأة بشكل خاص، وتُثبت لها في بعض الأحيان " اليُمن والبركة " بدل الشؤم(1) .

3 - كيف يمكن أن ينسب الإسلام الشؤم للمرأة، وهو الذي كرَّمها، وأعلى من مكانتها، وأعاد لها كرامتها وقيمتها الإنسانية المهدورة على أيدي أهل الجاهلية، وكل من انحرف عن خط الهداية من أتباع الديانات السابقة. فإثبات الشؤم للمرأة يتناقض مع قيم الإسلام العظيمة التي أهداها للبشرية، ومنها تكريم المرأة وتخليصها من النظرة والمكانة والمعاملة الدونية التي كانت تحظى بها قبل الإسلام .

4 - إن في نسبة الشؤم للمرأة دون أدنى كسبٍ لها في هذا الشؤم، تناقضاً صارخاً مع قيمة العدل ونفي الظلم التي أرساها الإسلام، وجعلها من قيمه الكبرى التي يُفاخر بها المسلمون أصحاب الدعوات الأخرى، إذ كيف ننسب تهمةً لإنسان وننظر له من خلالها وهو بريء منها أصلاً، وحسبنا هنا أن نتذكر قول الله تعالى: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [النساء: 112].

إذاً بموجب ظاهر هذه الآية الكريمة، فإن من ينسب للمرأة الشؤم ـ وهي بريئة منه بطبيعة الحال ـ فقد ارتكب بهتاناً وإثما مبينا ً.


(1) سأذكر بعض هذه الأحاديث في سياق هذا البحث.



بحث عن بحث