بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:

فهذه ورقات مختصرة في مقدمات مهمة تتعلق بعلم (مشكل الحديث) فيها الكلام على تعريفه والمراد منه، ونشأته، وبيان أهميته وفائدته، ثم التعريف بأهم ما دوّن فيه من مصنفات.

أسأل الله تعالى التوفيق والإعانة، والسداد في القول والعمل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

وسيكون الحديث عما سبق - إن شاء الله - في المباحث الآتية:

المبحث الأول: تعريفه

أ - تعريفه لغة:

قال ابن فارس: "الشين والكاف واللام معظم بابه المماثلة، تقول: هذا شكل هذا، أي مثله..

قال ابن دريد: "ويسمى الدم أشكل، للحمرة والبياض المختلطين منه، وهذا صحيح، وهو من الباب الذي ذكرناه في إشكال الأمر وهو التباسه"(1).

وجاء في لسان العرب(2): "أشكل الأمر: التبس، وأمور أشكال: ملتبسة".

وجاء في المعجم الوسيط(3): "استشكل الأمر: التبس، واستشكل عليه: أورد عليه إشكالاً... الإشكال: الأمر يوجب التباساً في الفهم".

ب - تعريفه اصطلاحاً:

قال الجرجاني: "مالا ينال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب"(4).

وقال المناوي: "شرح المشكل من الكلام: بسطه وإظهار ما خفي من معناه"(5).

وعرفه آخرون بأنه: "اسم لما خفي المراد منه باللفظ نفسه لدخوله في أشكاله، بحيث لا يدرك ذلك المراد إلا بقرينة تميزُه، وذلك عن طريق البحث والتأمل بعد الطلب"(6).

هذا من حيث معنى كلمة (مشكل)، وأما تعريفه باعتباره علماً ولقباً على العلم أو النوع من أنواع علوم الحديث، فكما يلي:

أ - تعريف الطحاوي:

يقول الطحاوي -رحمه الله-: "فإني نظرت في الآثار المروية عنه  صلى الله عليه وسلم  بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبيت فيه والأمانة عليها، وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفته والعلم بما فيه من أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها، وتبيان ما قدرت عليها من مشكلها من استخراج الأحكام التي فيها ومن نفي الإحالات عنها"(7).

فاشتمل تعريف الطحاوي على ثلاثة أمور:

1-   كونه آثاراً مروية عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم .

2-   كون رواة هذه الآثار عدولاً ضابطين.

3-   وجود ما يشعر بالإحالات في هذه الآثار، أي تلك الأمور المستحيلة عقلاً أو شرعاً أو عقلاً وشرعاً معاً(8).

ب - تعريف الحاكم:

قال رحمه الله: "هذا النوع من هذه العلوم: معرفة سننٍ لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  يعارض مثلها، فيحتج أصحاب المذاهب بأحدهما وهما في الصحة والسقم سيان"(9).

ج - تعريف النووي:

قال رحمه الله: "معرفة مختلف الحديث وحكمه.. وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً فيوفق بينهما، أو يرجح أحدهما"(10).

د - تعريف ابن حجر:

قال رحمه الله: "ثم المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عورض بمثله، فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث"(11).

هـ - تعريف د. نور الدين عتر:

قال وفقه الله: "هو ما تعارض مع القواعد فأوهم معنى باطلاً، أو تعارض مع نص شرعي آخر"(12).

و - تعريف السماحي:

قال غفر الله له: "الحديث المشكل: هو حديث صحيح أخرج في الكتب المعتبرة المشهورة، ولكنه عورض بقاطع من عقل أو حس أو علم أو أمر مقرر في الدين، ويمكن تخريجه على وجه التأويل"(13).

ز - تعريف د. أسامة خياط:

قال وفقه الله: " مشكل الحديث هو: أحاديث مروية عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بأسانيد مقبولة يوهم ظاهرها معاني مستحيلة، أو معارضة لقواعد شرعية ثابتة"(14).

ح - تعريف د. محمد طاهر الجوابي:

قال وفقه الله: "الحديث المشكل هو: حديث صحيح بدا معارضاً بدليل مقبول وقبل التأويل، أو كان مما لا يعلم تأويله"(15).

ط - تعريف العسعس:

انتقد العسعس مصطلح (مشكل الحديث) ورأى عدم قبوله، وأن التعبير الدقيق أن يقال: (استشكال الحديث).

ثم عرف علم مشكل الحديث فقال: "مجموعة القواعد والمناهج التي أرشدنا إليها الكتاب والسنة والتزم بها الصحابة في التعامل مع النصوص وفهمها"(16).

 

الهوامش:

(1) معجم مقاييس اللغة (3/204-205) (شكل).

(2) لسان العرب (11/375) (شكل)، وانظر: القاموس المحيط (2/1347).

(3) المعجم الوسيط (1/491) (شكل).

(4) التعريفات (ص 215).

(5) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 427).

(6) تفسير النصوص، د. محمد أديب الصالح (1/ 253)، بواسطة: دراسة نقدية في علم شكل الحديث (ص 48).

(7) مشكل الآثار (1/2).

(8) انظر: مختلف الحديث (ص 32).

(9) معرفة علوم الحديث (ص 122).

(10) التقريب مع التدريب (2/651).

(11) نخبة الفكر مع النزهة (ص 37).

(12) منهج النقد في علوم الحديث (ص337).

(13) المنهج الحديث في علوم الحديث (ص157).

(14) مختلف الحديث (ص 32).

(15) جهود المحدثين في نقد متن الحديث الشريف (ص 414).

(16) دراسة نقدية في علم مشكل الحديث (ص 56).



بحث عن بحث