الحديث الثاني صحة إسلام الصبي(5)

 

 

المسلك الثاني : النسخ .

 

سلك بعض أهل العلم في هذه الأحاديث مسلك النسخ ورأوا أن إسلام الصبي كان محكوما بصحته في أول الإسلام ثم نسخ بعد هذا ، وإليه ذهب الحليمي والبيهقي والسبكي(1) .

قال البيهقي عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه والصبيان :" لأن قول الصبي المميز إذ ذاك كان محكوما بصحته قبل ورود الشرع بغيره ".

وقال الحليمي :" أو يكون خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالدعاء إلى الإسلام ليس مما شرع في أول الإسلام ، بل ليس يحفظ قبل قصة ابن عمر رضي الله عنه في أحد والخندق في ذلك شيء"

القول الراجح :

بعد عرض الأقوال ودليل كل قول يظهر رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أقوال الجمع وهو صحة إسلام الصبي ، وأن القلم المرفوع قلم المؤاخذة والإثم لا قلم الثواب ، وذلك لأسباب :

قوة ما استدل به أصحاب هذا القول .

أن تفسير الحديث أعني حديث ( رفع القلم ) برفع قلم التأثيم يوافق عليه حتى المخالف ، فقد استدل الحنفية بهذا الحديث على عدم وجوب الزكاة في مال الصبي ، فأجاب الشافعية عن هذا الاستدلال : بأن المراد رفع الإثم ، قال النووي : " وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاثة ) : فالمراد رفع الإثم والوجوب "(2) .

أن من خالف في صحة إسلام الصبي منسوب للتناقض إذ هو محجوج بمذهبه في صحة صلاته وصومه وحجه ، فبما أنه يقول بصحتها وهي من الحسنات لزمه أن يقول بصحة إسلامه ، أو نسب للتناقض إذ لا فرق بينهما ، بل القول بصحة إسلامه أولى وأحرى .

أن بقية الأقوال منتقدة بعرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على الصبيان وقبول إسلام من أسلم كعلي والزبير وعبد الله بن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم واليهودي وابن الصياد وغيرهم .

وأما كون علي رضي الله عنه أسلم بعد البلوغ حين كان سنه خمس عشرة سنة فغير مسلم ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع الراية إلى علي يوم بدر وهو ابن عشرين سنة(3)، ثم يلزم على قول الحسن أن يكون سنه عند موته ثمان وستين سنة ، قال ابن القيم : وصاحب هذا القول يلزمه أن يكون سنه يوم مات سبعين سنة إلا سنتين وهذا لم يقله أحد(4).

وأما القول بالنسخ فمعترض بأن النصوص متى أمكن الجمع بينها لم يصح القول فيها بالنسخ والله أعلم(5).أمحل المحال أ     


(1) السنن الكبرى ( 6 / 207 ) ، وابراز الحكم من حديث رفع القلم ص 51 .

(2) المجموع ( 5 / 330 ).

(2) أخرجه الحاكم ( 3 / 111 )وقال : إسناده على شرط الشيخين ، ثم قال : وهذا نص في أنه أسلم وهو ابن سبع سنين أو ثمان ، وهو قول عروة .

(4) أحكام أهل الذمة ( 2 / 912 ) .

(5) انظر : أجوبة ابن القيم عن الأحاديث التي ظاهرها التعارض ( 1 / 111، 112 ).



بحث عن بحث