والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن(1).

2-   إن الله -  سبحانه وتعالى- قد حدد مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم- مع القرآن فجعلها البيان، قال تعالى:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...) [سورة النحل /44 ].

        ثم بين في آية القيامة أن بيان النبي - صلى الله عليه وسلم- للقرآن ليس نابعاً من تلقاء نفسه وإنما هو وحي من ربه، يقول تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه) [ سورة القيامة / 18، 19 ]. فقد نسب الحق - سبحانه وتعالى- البيان إلى نفسه بضمير العظمة الإلهية؛ لينبه إلى أن محمداً - صلى الله عليه وسلم- لا يأتي بشيء من قبل نفسه، وإنما هو كما وصفه ربه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [ سورة النجم / 3-5 ].

       يقول ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ): (أي بعد حفظه وتلاوته نبينه لك، ونوضحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا. وقال ابن عباس، وعطية العوفي، وقتادة: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، تبيين حلاله وحرامه)(2).

       ويقول ابن حزم: " إن الله تعالى أنزل الذكر على النبي - صلى الله عليه وسلم- ليبينه للناس، والبيان هو الكلام، فإذا تلاه النبي - صلى الله عليه وسلم- فقد بينه، ثم إن كان مجملا لا يفهم معناه من لفظه بينه حينئذ بوحي يوحى إليه إما متلواً أو غير متلو كما قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه)، فأخبر تعالى أن بيان القرآن عليه - عز وجل-، وإذا كان عليه فبيانه من عنده تعالى، والوحي كله متلو وغير متلو من عند الله - عز وجل-، وقد قال - عز وجل- (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [ سورة النساء / 176 ](3).

      ويقول الدكتور/ الأحمدي أبو النور: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، (أي بيانه وإظهاره بلسانك فتقرؤه كما أقرأك جبريل،وعلينا كذلك بيانه، أي تبيين ما فيه من الأحكام، وما يتعلق بها من الحلال والحرام، والتفصيل، والإجمال، والتقييد، والإطلاق،وما إلى ذلك، والبيان بهذا المعنى الثاني هو ما تكفلت به السنة)(4).

       وقال ابن حجر: قوله (بَيَانَهُ) جنس مضاف فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه، وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك(5).


 


(1)      تفسير ابن كثير 1/3.

(2)      تفسير ابن كثير 4/449 بتصرف.

(3)      الإحكام في أصول الأحكام 1/78.

(4)      شذرات من علوم السنة 1/17.

(5)      فتح الباري 7/555.



بحث عن بحث