شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (13)

 

6 ــ  حدث ابن مسعود بحديث فقال ابنه : ( ليس كما حدثت ، قال : وما علمك ؟ قال : كتبته ، قال : فهلم الصحيفة ، فجاء بها فمحاها )(1).

7 ــ عن أبي بردة قال : ( كتبت حديث أبي موسى أنا ومولى لنا ، قال : فظن أني أكتب حديثه ، فقال : يا بني : أتكتب حديثي ؟ قلت نعم ، قال جئني به ، قال : فأتيته به ، فنظر فيه ، فمحاه ، وقال : يا بني احفظ كما حفظت )(2).

8 ــ وعن الأوزاعي قال : سمعت أبا كثير يقول : سمعت أبا هريرة يقول ( لا نكتب ولا نكتب )(3).

9 ــ وعن طاووس قال : سأل ابن عباس رجل من أهل نجران ، فأعجب ابن عباس حسن مسألته ، فقال الرجل : اكتبه لي . فقال ابن عباس ( إنا لا نكتب العلم )(4).

10 ــ وعن ابن سيرين قال : ( لو كنت متخذا كتابا لاتخذت رسائل النبي صلى الله عليه وسلم )(5).

ثانيا: اعتمد المثيرون لهذه الشبهة على ما ذكره المحدثون وغيرهم من العلماء من : أن الحديث لم يدون إلا في القرن الثاني الهجري ، وأول من دونه هو:محمد بن مسلم بن شهاب المعروف بالزهري المتوفى (124هـ) بأمر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز المتوفى ( 101هـ ).

ثالثا : كذلك اعتمدوا على ما ذكره المحدثون وغيرهم أيضا من : أن التصنيف للحديث لم يقع إلا في القرن الثاني الهجري ، إذ يقول ــ في أمر التدوين والتصنيف ــ أبو طالب المكي : ( إنه كره كتب الحديث الطبقة الأولى من التابعين ... فكانوا يقولون : احفظوا كما كنا نحفظ ، وأجاز ذلك من بعدهم ، وما حدث التصنيف إلا بعد موت الحسن المتوفى  110هـ ، وابن المسيب المتوفى 94هـ )(6).

ويقول ابن خلدون : ( والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم ، والتأليف ، والتدوين ، ولا دفعوا إليه ، ولا دعتهم إليه حاجة ، وجرى الأمر على ذلك زمن الصحابة والتابعين )(7).

ويقول الحافظ ابن حجر : ( اعلم ــ علمني الله وإياك ــأن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه ، وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ، ولا مرتبة لأمرين :

أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك ــ كما ثبت في صحيح مسلم ــ خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم .

وثانيهما : لسعة حفظهم ، وسيلان أذهانهم ، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار ، وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار ، وكثر الابتداع من الخوارج ، والروافض ، ومنكري الأقدار )(8).

ويقول الكتاني : ( وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين لا يكتبون الحديث ، ولكنهم يؤدونه لفظا ، ويأخذونه حفظا إلا كتاب الصدقة ، وشيئا يسيرا يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء ، حتى خيف عليه الدروس ، وأسرع في العلماء الموت ، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري التابعي : انظر ما كان عندك ــ أي في بلدك ــ من سنة أو حديث فاكتبه )(9).

لهذه الأدلة الناطقة بعدم كتابة السنة طوال القرن الأول الهجري ، فإنه لا يوثق بها، ولا يعتمد عليه،وبالتالي فهي ليست حجة في دين الله عز وجل. 


 


(1) أخرجه الدارمي في مسنده ، المقدمة ، باب من لم ير كتابة الحديث ( 1 / 122 ، 123 ، 124 ، 125 ) بمعناه . والخطيب في ( تقييد العلم ) ص38 ـ 39 بلفظه ومعناه .  وابن عبد البر في (جامع بيان العلم ( 1 / 78 ) بمعناه .

(2) أخرجه الدارمي في مسنده ، المقدمة ، باب من لم ير كتابة الحديث ( 1 / 122 ) بمعناه . والخطيب في تقييد العلم ص 39 ــ 41 بلفظه وبمعناه . وابن عبد البر في جامع بيان العلم ( 1 / 79 ) بمعناه .

(3) أخرجه الدارمي في مسنده ، المقدمة ، باب من لم ير كتابة الحديث ( 1 / 122 ) بلفظ ( لا يكتب ولا يكتب ) . والخطيب في تقييد العلم ص 41 ، 42 بروايات عديدة بمعناه . وابن عبد البر في جامع بيان العلم  ( 1 / 79 ) بلفظه .

(4) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 42 ، 43 بلفظه وبنحوه . وابن عبد البر في جامع بيان العلم ( 1 / 78 ) بمعناه .

(5) أخرجه الدارمي في مسنده ، المقدمة ، باب من لم ير كتابة الحديث ( 1 / 120 ) بلفظه . ومن أراد مزيد اطلاع على هذه الأحاديث والآثار فليرجع إلى الكتب الثلاثة المذكورة في التخريج سابقا .

(6) انظر : قوت القلوب لأبي طالب المكي ( 1 / 159 ) .

(7) مقدمة ابن خلدون ، فصل في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم عجم ص 482 .

(8) انظر : هدي الساري ص7 .

(9) انظر : الرسالة المستطرفة ص 3، 4 .



بحث عن بحث