شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (8)
الثاني : أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقا ، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التي معنا في ذكر موقف الأمم السابقة مع رسلهم .
يقول تعالى : ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين )(1).
ويقول الله تعالى : ( وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون )(2).
ويقول الله تعالى : (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين )(3).
ويقول تعالى : (لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين )(4).
والأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع ، والشريعة :وحي الله إلـــــــى نبيه ، والذي يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يقف على محاجات الكافرين مع الرسل ، تدور كلها حول التكليف الذي مصدره ما ينزله الله بالوحي ، وتكون الآية التي معنا قد نبهت على أمر خطير : هو أنه إذا كان الأمر في الأمم السالفة ينتهي إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الرسل وأممهم ، فإن هذه الشريعة ــ قرآنا وسنة ــ سنحفظها ولن ينال الكافرون من كيدهم إياها إلا خسارا ، لأنه وعد الله ولن يخلف الله وعده ، وكان أمر الله مفعولا .
وعلى ذلك فإن الذكر في الآية مراد به الشريعة ، ويكون الضمير في قوله ( له ) عائد على الشريعة بمصدريها الأساسيين ( القرآن والســـنة ) إذ لا شريعة إلا بمصدر ، ومصدر الشريعة في الإسلام القرآن الكريـــم والسنة المطهرة .
لكن بقي أن يقال : كيف يعود الضمير على القرآن والسنة معا ولم يذكر إلا القرآن وحده ؟ ولكننا نجد في القرآن نفسه استعمالا للضمير استنادا على ما يفهم من السياق ، ومدلولات الحديث ، يشهد بهذا قوله تعالى : ( إنا أنشأناهن إنشاء . فجعلناهن أبكارا ) (5).
فتلك صفات الحور العين مع أنه لم يجر لهم ذكر في قسم أصحاب اليمين في سورة الواقعة ، ولكن السياق العام للسورة وما ذكر في الأقسام السابقة يجعل الذهن يدرك أن الضمير عائد على أمر مفهوم من الفحوى ن والسياق والأسلوب .
كذلك يقوي هذه الشهادة في استعمال القرآن الضمير على ما يستند على الأسلوب والفحوى قوله تعالى : ( حتى توارت بالحجاب )(6).ففي ( توارت ) ضمير فاعل يعود على الشمس مع أنه لم يجر لها ذكر في السورة بالنص ، ولكن السياق العام يرشح عود الضمير على الشمس .
وما معنا في آية الحجر من هذا القبيل ، والكل استعمال قرآني تزكيه اللغة ، ويقويه الإعراب القرآني ، فليس هناك وجه للاعتراض ، وعليه يسلم تفسير الذكر بالشريعة قرآنا وسنة .
(1) سورة الحجر /10 .
(2) سورة / 11 .
(3) سورة الحجر / 12 .
(4) سورة الحجر / 13 .
(5) سورة الواقعة / 35 ، 36 .
(6) سورة ص / 32 .