شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (4)

 

الشبهة الثانية:

قولهم إن القرآن الكريم قد حوى علم كل شئ وبيانه مصداقا لقوله تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )(1) .

وما دام القرآن قد حوى علم كل شئ وبيانه فلا حاجة بنا إلى السنة ، إذ بيان المبين لون من العبث يجب أن ينزه عنه الحق تبارك وتعالى .

 

الجواب عن هذه الشبهة :

ويجاب عن هذه الشبهة : بأن القرآن حقا قد حوى علم كل شئ وبيانه ، إلا أن ذلك كان بطريقين :

أحدهما : طريق النص : كإيجاب الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، والوفاء بالعهد ونحو ذلك من الأمور الكلية والقواعد العامة التي جاءت في القرآن نصا .

وثانيهما : طريق الإحالة على السنة : كتفصيل أحكام الصلاة وغيرها من المسائل المذكورة قبل ، وكتشريع أمور زائدة فوق القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها ، ومن قتل المرتد .... إلخ

يقول الحافظ ابن حجر في تعليقه على حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه " .... أوصى ــ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ بكتاب الله "(2).

( ولعله اقتصر علي الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ، ولأن فيه تبان كل شئ إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط ، فإذا اتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم به ، لقوله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه )(3).

إذن فالقول بأن القرآن الكريم تبيان لكل شئ قول صحيح في ذاته بالمعنى الإجمالي السابق ، ولكن الفساد عند أصحاب هذه الشبهة فيما بنوا عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم ، وإلا فرب العزة هو القائل في نفس سورة النحل وقبل هذه الآية  : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )(4)، وقال تعالى : ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدي ورحمة لقوم يؤمنون )(5) ، فهذه الآيات تسند مهمة البيان والتفصيل صراحة إلي النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة ــ البيان ــ التي هي من مهام الرسل جميعا ، كما قال تعالي : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )(6) ويوقع التناقض بآية : ( الكتاب تبيانا لكل شئ ).

إن كل الرافضين لحجية السنة لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التي تعود بالنقض علي الإيمان بالكتاب ، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله ، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا ، وتنبهوا لذلك أم لا ؟ !

وهذه نصوص لبعض العلماء تؤكد ما قررناه في معنى البيان الوارد في الآية التي استشهدوا بها .

 

 


(1) - سورة النحل / 89 .

(2) - أخرجه البخاري ، كتاب الوصايا ، باب الوصايا ( 2740 ) .

(3) - فتح الباري 6 / 671 ، والآية رقم 7 من سورة الحشر .

(4) - سورة النحل / 44 .

(5) - سورة النحل / 64 .

(6) - سورة إبراهيم / 4 .

 



بحث عن بحث