السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(21)

 

 

المسلك السادس : وهو مذهب الذين يرجعون جميع الأحكام التي ثبتت في السنة بالتفصيل ، إلى ظاهر القرآن الكريم ، ويخضعون كل حكم ثبت في السنة بمقتضى حديث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى أية فقرة من فقرات القرآن الكريم تشير إلى معنى الحديث ، من حيث وضع اللغة ، لا من جهة أخرى ، بحيث تعطيهم تلك الفقرة حكم الحديث الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الشاطبي :" ولكن صاحب هذا المذهب يتطلب أن يجد كل معنى في السنة ، مشارا إليه ، من حيث وضع اللغة ، لا من جهة أخرى ،أو منصوصا عليه في القرآن ".

ثم قال معلقا ومعقبا على هذا المسلك :" ولكن القرآن لا يفي بهذا المقصود على النص والإشارة العربية التي تستعملها العرب أو نحوها ، وأول شاهد في هذا ، الصلاة ، والحج ، والزكاة ، والحيض ، والنفاس ، واللقطة ، والقراض ، والمساقاة ، والديات ، والقسامات ، وأشباه ذلك من أمور لا تحصى .

فالملتزم لهذا لا يفي بما ادعاه ، إلا أن يتكلف في ذلك مآخذ لا يقبلها كلام العرب ، ولا يوافق على مثلها السلف الصالح ، ولا العلماء الراسخون في العلم ، ولقد رام بعض الناس فتح هذا الباب ، الذي شرع في التنبيه عليه ، فلم يوف به إلا على التكلف المذكور ، والرجوع إلى المآخذ الأول في مواضع كثيرة ، لم يتأت له فيها نص ولا إشارة إلى خصوصيات ما ورد في السنة ، فكان ذلك نازلا بقصده الذي قصد(1).

هذه هي المسالك التي سلكها أصحاب الرأي الثاني في إرجاع السنة إلى الكتاب ، الأمر الذي جعلهم ينكرون استقلال السنة بالتشريع .

وإذ قد انتهينا من أدلة الفريقين وما ورد عليها ، فإننا نعمد في الصفحات التالية إلى عقد موازنة بين الرأيين ، ثم بيان الراجح منهما ، فإلى ذلك في الحلقات الآتية بتوفيق الله تعالى .


(1) الموافقات ( 4/ 393 ـ 401 ) .



بحث عن بحث