وإذن فمعنى السنة والحديث عند علماء الشرع واحد من حيث إطلاق أحدهما مكان الآخر، ففي كل منهما إضافة قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، إلى النبي - صلى الله عليه  وسلم-.

         ومن هنا يظهر فساد قول جولد تسيهر في كتابه (دراسات محمدية) : يجب أن يكون مصطلح (الحديث) ومصطلح (السنة) متميزين عن بعضهما(1)، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث(2).

          وجولد تسيهر بزعمه هذا لم يفرق بين المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية للفظتين: " الحديث " و " السنة "، لذلك تراه يخلط في الموضوع لعدم التزامه باصطلاحات علماء الشرع، مما جعله يظن أن الخلاف في معاني لفظ " حديث " و " سنة " هو نوع من الاضطراب في التفكير عند المسلمين ، وهذه الاصطلاحات قد استوفيناها قبل قليل، فظهر أنه لم يعتبر اصطلاحات القوم ، بل لم يقترب منها أدنى الاقتراب.

        وقوله: (إنما السنة دليل الحديث) هذه الدعوى جره إليها تفريقه بين الحديث والسنة، وكان الأشبه العكس، فالحديث دليل السنة، فهما بمعنى واحد في اصطلاح الأصوليين.

         ومن هنا جاء قولهم: سنة ثابتة عن الرسول، وسنة غير ثابتة عنه.

فالأولى: لأنه ثبت عن الرسول الكريم أنه قال ذلك الشيء أو فعله أو أقره، وطريقة ثبوت ذلك عن الرسول هو وجود الحديث الشريف الذي يتضمن ذلك ويشهد عليه.

الثانية: لأنه لم نجد حديثا عن النبي قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً، يؤكدها، فهي بذلك سنة غير ملزمة، وكذلك إذا قيل: السنة كذا، ومن السنة كذا، وهكذا السنة كلها دليل شرعي ملزم، لأن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه(3).

ب- معنى الخبر:

الخبر لغة: مأخوذ من الفعل " خبر " بفتح الخاء المعجمة والباء المنقوطة بواحدة من تحت، ومعناه: علم الشيء على حقيقته.

وقيل: هو مشتق من " الخبار " ، وهي الأرض الرخوة، لأن الخبر يثير الفائدة كما أن الأرض الخبار تثير الغبار إذا قرعها الحافر ونحوه ، وهو عند أهل اللغة: اسم لما ينقل ويتحدث به ، والجمع أخبار، مثل: سبب وأسباب(4).

الخبر اصطلاحاً: للعلماء في تعريفه أقوال:

1-  قال جمهور المحدثين: هو: أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن – وأفعاله، وتقريراته، وصفاته ، وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم(5).

       وعليه يكون شاملاً للمرفوع ، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الثالث ، وللحديث على القول الأول.

2-  وقيل هو: أقواله – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصة(6).

     وعليه يكون مقصوراً على المرفوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الأول، وللحديث على القول الثالث.

3-  وقيل هو: ما جاء عن غير النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة والتابعين من هذه الأمة أو غيرها من الأمم السابقة، كأن الخبر في هذا الحال خاص بالتاريخ، وليس من الألفاظ المستعملة في اصطلاح المحدثين.

     ومن هنا شاع إطلاق " الإخباري " على المشتغل بالتواريخ، بينما شاع إطلاق اسم " المحدث " على المشتغل بالسنة النبوية(7).

      وعلى هذا المعنى الأخير تكون العلاقة بين الخبر، والسنة، والحديث هي التباين والتضاد.

4-  وقيل هو: ما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، وعن غيره من الصحابة والتابعين فمن بعدهم(8).

       وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، وسائر أنواع الحديث الأخرى، ويكون أعم من السنة والحديث.

 

ج – معنى الأثر:

         الأثر لغة: مأخوذ من أثرت الشيء – بفتح الهمزة والثاء المثلثة – أي: نقلته أو تتبعته، ومعناه عند أهل اللغة: ما بقي من رسم الشيء وضربة السيف، ويجمع على آثار، مثل: سبب وأسباب(9).

الأثر: اصطلاحاً: للعلماء في تعريفه أقوال:

1-   قال جمهور المحدثين: هو أقوال النبي – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن ، وأفعاله ، وتقريراته، وصفاته، وأقوال الصحابة، والتابعين، وأفعالهم(10).

        وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الثالث، وللحديث وللخبر على القول الأول.

        وبهذا المعنى سمى الحافظ الطحاوي كتابه: " شرح معاني الآثار المختلفة المأثورة ".

2-    وقال فقهاء خراسان: يطلق الأثر على أقوال الصحابة، والتابعين وأفعالهم فقط(11).

        وعليه يكون مقصوراً على الموقوف والمقطوع فقط، ويكون أخص من السنة على القول الثالث، ومن الحديث، والخبر، على القول الأول.

       وبهذا المعنى سمى الإمام محمد بن حسن الشيباني كتابه الذي ذكر فيه الآثار الموقوفة بكتاب: " الآثار ".

3-       وقيل هو: أقواله – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن ، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصة(12).

        وعليه يكون مقصوراً على المرفوع، ويكون مساوياً للسنة والحديث والخبر على بعض الأقوال.

والخلاصة:

         أن المحدثين تارةً يستعملون الألفاظ الأربعة ويريدون منها: المرفوع فقط.

         وتارةً يستعملونها ويريدون منها: المرفوع، والموقوف، والمقطوع.

         وتارة يخصصون السنة: بطريقته – صلى الله عليه وسلم – العملية المتواترة التي بين بها القرآن الكريم.

والحديث: بأقواله - صلى الله عليه وسلم- فقط.

والخبر: بالحوادث، أو بالوقائع التاريخية.

والأثر: بأقوال وفتاوى الصحابة والتابعين وأفعالهم.

والقرينة: هي التي تحدد المراد في كل هذه الاستعمالات.

 


 


(1)       نقلاً عن " ضوابط الرواية عند المحدثين " صـ 314.

2)       العقيدة والشريعة في الإسلام ص: 49، وممن فرق بينهما أيضاً الأستاذ محمد رشيد رضا. انظر: مجلة المنار (10/852، 853).

(3)       ضوابط الرواية عند المحدثين ص 314،  322بتصرف، السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام1/48، 49.

(4)       ينظر: لسان العرب ، مادة: خبر ، المصباح المنير 1/251، وعنها نقل الشوكاني في إرشاد الفحول ، ص: 42.

(5)       ينظر: شرح شرح نخبة الفكر، ص: 16، وشرح النخبة، ص: 16، وتدريب الراوي 1/42.

(6)       ينظر: شرح شرخ نخبة الفكر، ص: 16، وشرح النخبة، ص: 16، وتدريب الراوي 1/42، وظفر الأماني، ص: 32.

(7)       ينظر: المصادر السابقة.

(8)       ينظر: المصادر السابقة.

(9)       ينظر: لسان العرب، مادة " أثر " 1/25، الصحاح للجوهري 2/574، المعجم الوسيط 1/5.

(10)       ينظر: شرح شرح نخبة الفكر ، ص: 16، تدريب الراوي 1/42، ظفر الأماني ، ص: 33، قواعد في علوم الحديث ، ص: 25.

(11)       ينظر: نفس المصادر السابقة.

12)       ينظر: نفس المصادر السابقة.

 

 



بحث عن بحث