السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(16)
المسلك الثاني :
أن الكتاب مجمل والسنة مفصلة له ، كالأحاديث الواردة في بيان ما أجمل ذكره من الأحكام ، إما بحسب كيفيات العمل ، أو أسبابه ، أو شروطه ، أو موانعه ،أو لواحقه ، أو ما أشبه ذلك ، كبيانها للصلوات على اختلافها في مواقيتها وركوعها وسجودها وسائر أحكامها ، وبيانها للزكاة في مقاديرها وأوقاتها ونصب الأموال المزكاة ، وبيان أحكام الصوم مما لا نص عليه في القرآن ، وكذلك أحكام الحج ، والذبائح ، والأنكحة وما يتعلق بها ، والبيوع وأحكامها ، والجنايات من القصاص وغيره ، كل ذلك بيان لما وقع مجملا في القرآن ، وهو الذي يظهر دخوله تحت قوله تعالى :(( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ))(1).
مناقشة هذا المسلك :
لقد اعترض على هذا المسلك الدكتور عبد الغني عبد الخالق فقال :" ونقول : إن أردت أن تبين لنا ــ بهذا المأخذ ــ أن بعض السنة بيان لما في الكتاب من الأحكام المجملة التي نص عليها : كوجوب الصلاة والزكاة ، فهذا لا ننكره .
وإن أردت أن جميعها كذلك : فهذا أمر لم توضحه لنا ، وعلى ذلك يكون قولك : " وكل ذلك بيان لما وقع مجملا في القرآن " ــ إذا أردت به جميع السنة ــ ممنوعا ، ولما تحاول إثباته لنا .
وقد تقدم : أن لكل من المخصص والناسخ ــ وهما من صور البيان ــ ناحية بيان للمراد من نص الكتاب ، وناحية استقلال بإفادة الحكم فيما عدا هذا المراد ، ومثلهما في ذلك سائر الشروط والقيود ، فتأمل ذلك وتدبره ، يظهر لك ما في كلامه من الخلط والإبهام(2).
(1) الموافقات ( 4 / 343 ) والآية من سورة النحل /44 .
(2) حجية السنة صــ 529 .