السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(11)

 

المثال الثاني :

2 ــ ويشعر بذلك أيضا : ما روى أن طاوسا كان يصلي ركعتين بعد العصر ، فقال له ابن عباس : " اتركهما " فقال : : إنما نهي عنهما أن تتخذا سنة ، فقال ابن عباس : قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد العصر ، فلا أدري أتعذب عليهما أم تؤجر ، لأن الله قال : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(1)  [ سورة الأحزاب / 36 ]

هكذا اعتبر ابن مسعود وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا مشروعا بكتاب الله عز وجل ، لا استنادا إلى شيء من أوجه التأويل التي ادعاها المخالفون ، بل استنادا إلى عموم أمر القرآن بطاعة رسول الله وعموم النهي عن مخالفته .

ولم يكن ذلك الملحظ في الاتجاه ممن وردت عنهم الآثار المذكورة فقط ، بل هو ملحظ الإمام الشافعي دائما في رسالته ، وفي كتاب الأم(2)، وخاصة في باب من يرد الأخبيار كلها ، وما ساجل به مساجله في الاعتداد بخبر الواحد ، فإنه اتجه مع مساجله في الاحتجاج بخبر الواحد إلى الأداة العامة التي أوجبت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ولقد قال في الرسالة كلمة تعبر عن هذا المسلك بأجلى بيان ، إذ قال ما نصه "  ومنه : ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما ليس فيه نص حكم ، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والانتهاء إلى حكمه ، فمن قبل عن رسول الله ، فبفرض الله قبل "(3) .

وقال أيضا : " وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم ، فبحكم الله سنه ، وكذلك أخبرنا الله في قول : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله ) [ سورة الشورى / 52 ، 53 ] ، وقد سن رسول الله مع كتاب الله ، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب ، وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه ، وجعل في اتباعه طاعته ، وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا ، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجا "(4)   
 


(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( 2 / 433 رقم 3975 ) والدارمي في المسند ( رقم 440 ) والحاكم في المستدرك ( 1/ 110 ) والبيهقي في الكبرى ( 2 / 453 ) وهو صحيح .

(2) الأم ( 7 / 250 ــ 254 ) .

(3) الرسالة ص 22 .

(4) الرسالة ص 88 ، 89 .

 



بحث عن بحث