أنواع السنة من حيث دلالتها على الأحكام

 

 

مما هو متفق عليه بين العلماء بين العلماء : أن القرآن الكريم أصل لجميع الأدلة ، ذلك أمر ثابت مقرر ، لا يختلف فيه أحد ، ولا يجادل فيه مسلم .

غير أن تبيين القرآن الكريم للأحكام التي جاءت فيه أكثره كلي لا جزئي ، وإجمالي لا تفصيلي ؛ لأن الله منح رسوله صلى الله عليه وسلم بيان كتابه الكريم للناس ، فأبان عليه الصلاة والسلام عن طريق الوحي مجمله ، وبسط مختصره ، وأوضح مشكله ، وشرع أحكاما أوحى له بها  ، وإن لم ترد في النص القرآني الكريم المعجز ، المتعبد بتلاوته ، ولهذا أمر الله في كتابه بوجوب طاعته صلى الله عليه وسلم ، لأنه مبين عن الله مراده في كتابه الكريم ، وأوجب الاعتداد ببيانه بالآيات الدالة على وجوب طاعته ، لتكون الشريعة الإسلامية كاملة ، وقواعدها ثابتة ، لا يطرأ عليها نسخ برسالة أخرى تنسخها ، لأن الله تعالى ختم برسالة سيدنا ( محمد ) صلى الله عليه وسلم الرسالات ، وأكمل بهديه الدين والشريعة .

والمستقرئ للسنة ، والمتتبع للأحكام التي ثبتت بها ، يجدها جاءت بالنسبة للأحكام التي جاءت في القرآن الكريم على عدة أوجه من البيان ، الفرق بينها دقيق للغاية ، لأن الوجوه يمكن أن تتداخل بحسب الأنظار و الأفهام .

فهذا مجتهد يرى : أن الحكم الثابت في السنة ، جاء زائدا على أحكام الكتاب ، وآخر يقول : بل هو مبين لمجمل الكتاب ، وثالث يقول : هو كنص الكتاب ، وجاء مؤكدا له ، ولكل نظره وملحظه فيما ذهب إليه .

فالناظر الأخير مثلا قد فهم ذلك من القرائن المصاحبة ، أو من أسلوب القرآن الكريم ، الذي لا يعرفه إلا قلة ممتازة ، مرنت عليه ، ومهرت فيه ، وعرفت أسرار تعبيراته ، ولبعض الناس ذكاء خارق ، وفطنة متفــاوتة .

وليس كل الناظرين في القرآن الكريم متساوين في فهمه , بل التفاوت بينهم موجود بالفعل ، فهذا يدرك لأول نظرة ما لا يدركه غيره طول عمره ، وهذا يرى اللفظ صريحا ، والآخر يراه خفيا ، وهذا سر كثرة التفريعات التي استنبطها الفقهاء ، من القرآن الكريم ، وصدق الرسول الكريم ، إذ قال ( إنما أنا قاسم ، والله معط )(1).

وجملة القول ، أن الأحكام الثابتة في السنة ، قد يراها مجتهد زيادة عن الأحكام التي ثبتت في الكتــاب الكريم ، ويراها غيره خلاف ما ذهب إليه صاحبه ، ولا يخطئ أحد منهما الآخر فيما ذهب إليه ؛ لأن ذلك كان سببه تداخل وجوه البيان ، الناجمة عن دقة ملاحظة الفوارق بينها ، أو المميزات الفطرية والكسبية ، التي وجدت لدى الناظر في القرآن الكريم أو السنة .

وعلى أي وجه كان الأمر ، عند من يعتد بأقوالهم من العلماء ، فإن الأحكام الشرعية منها ما ثبت وجوبه بالقرآن والسنة إجمالا وتفصيلا ، ويشير إلى ذلك قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ)[ سورة الأنفال /20 ].

ومنها ما أثبته القرآن إجمالا وأثبتته السنة تفصيلا ، ويشير إلى ذلك قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[ سورة النساء / 59 ] .

ومنها ما انفردت بإثباته السنة ولم يعرض له القرآن ، ويشير إلى ذلك قوله تعالى : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)[ سورة النساء / 80 ] .


(1) جزء من حديث أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، رقم ( 71 )

 



بحث عن بحث