عرف الأصوليون السنة بأنها: أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم- غير القرآن، وأفعاله، وتقريراته التي يمكن أن تكون دليلاً لحكم شرعي(1).

      كأن ما صدر عنه من الأقوال، والأفعال، والتقريرات، التي تعد من خصائصه - صلى الله عليه وسلم- ليست داخلة في تعريف السنة عند الأصوليين، وكذلك صفاته - صلى الله عليه وسلم- ؛ لأنها لا تفيد حكماً شرعياً يتعبد الناس به.

       لذلك نرى الأصوليين غالباً ما يغفلون الكلام عن الأمور التي هي من خصائصه - صلى الله عليه وسلم- ، ومن تكلم منهم عنها فمن باب بيان أنها ليست ملزمة للناس.

السنة في اصطلاح الفقهاء:

1-   هي كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يكن مفروضاً، ولا واجباً، مثل تثليث الوضوء، ومثل المضمضة، والاستنشاق عند بعضهم،ومثل تقديم اليمنى على اليسرى، ومثل الركعتين قبل فرض الصبح، ونحو ذلك.

2-   وقد يطلقها الفقهاء ويعنون بها ما يقابل البدعة، كقولهم فيمن طلق زوجته في غير حيض وفي غير طهر التقيا فيه – هذا طلاق سني- في مقابلة الطلاق البدعي، وهو الذي يحدث في طهر التقيا فيه، أو يحدث في حيض، حيث يأبى الإسلام بنظامه العام أن يشق على المطلقات بإطالة العدة(2).

       ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلاف الأغراض التي تعنى بها كل فئة من أهل العلم.

       فعلماء الحديث:إنما بحثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الإمام الهادي الذي أخبر الله عنه أنه أسوة وقدوة لنا، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق، وشمائل وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم لا.

        وعلماء الأصول: إنما بحثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله، وأفعاله، وتقريراته، التي تثبت الأحكام وتقررها.

        وعلماء الفقه: إنما بحثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي لا تخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوباً، أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك(3).

         والذي نعنيه بالسنة هنا: هو اصطلاح المحدثين؛ لأنه يشمل تعريف الأصوليين، ويبحث في السنة النبوية من كل جوانبها.

 شرح التعريف:

       انتهينا فيما سبق إلى أن السنة عند المحدثين: (هي أقوال النبي – صلى الله عليه وسلم – وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخلقية والخلقية، وسائر أخباره، سواءً كان ذلك قبل البعثة أم بعدها). وإليك شرح هذا التعريف.

       يقصد بأقواله – صلى الله عليه وسلم -: كل ما تلفظ به في مختلف الظروف والمناسبات، ويسميه العلماء أيضاً بالسنة القولية، ويجمع فيقال: سنن الأقوال، ومثاله:

1- قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)(4).

2- وقوله – صلى الله عليه وسلم –: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة ؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)(5).

3- وقوله – صلى الله عليه وسلم-: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)(6)وغير ذلك.

 


 


(1)   ينظر: فواتح الرحمات بشرح مسلم الثبوت ( 2/96 )، بهامش المستصفى للغزالي، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي ( 1/127 )، التحرير في أصول الفقه لابن الهمام ( 3/19/20 )، إرشاد الفحول الشوكاني، ص: 33.

(2)   إرشاد الفحول للشوكاني، ص: 33.

(3)   السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص: 47-49. 
(4)   الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي (1)، ومسلم في الصحيح، كتاب الإمارة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " إنما الأعمال بالنية " ( 4890) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-. 
(5)   الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله، رقم: ( 5987 )، ومسلم في الصحيح، كتاب البر، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ( 6518) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. 
(6)   الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الوصايا، باب الوصايا، ( 2738) ومسلم في الصحيح كتاب الوصية ( 4207).



بحث عن بحث