الحلقة (13) حال السلف مع السنة (2- 2)

 

ومن مواقف السلف في اتباعهم للسنة واحتجاجهم بها:

ما أشكل على عثمان حكم اعتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها، وأخبرته فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرها بعد وفاة زوجها: أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله قضى بذلك، وهكذا قضى بالسنة في إقامة حد الشارب على الوليد بن عقبة، ولما بلغ عليا  أن عثمان  ينهى عن متعة الحج أهلّ علي  بالحج والعمرة جميعًا، وقال: لا أدع سنة رسول الله ﷺ بقول أحد من الناس، ولما احتج بعض الناس على ابن عباس  في متعة الحج بقول أبي بكر وعمر م في تحبيذ إفراد الحج. قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله ﷺ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر. فإذا كان من خالف السنة بقول أبي بكر وعمر يخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفها لقول من دونهما أو لمجرد رأيه واجتهاده، ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر م في بعض السنة قال له عبد الله: هل نحن مأمورون باتباع عمر؟ ولما قال رجل لعمران بن حصين م حدثنا عن كتاب الله وهو يحدثهم عن السنة غضب ط وقال: إن السنة هي تفسير كتاب الله، ولولا السنة لم نعرف أن الظهر أربع والمغرب ثلاث، والفجر ركعتان، ولم نعرف تفصيل أحكام الزكاة؛ إلى غير ذلك مما جاءت به السنة من تفصيل الأحكام والقضايا عن الصحابة ن في تعظيم السنة ووجوب العمل بها والتحذير من مخالفتها وهي كثيرة جدًّا.

ومن ذلك أيضًا أن عبد الله بن عمر  لما حدث بقوله ﷺ: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»(1) قال بعض أبنائه: والله لنمنعهن! فغضب عليه عبد الله وسبه سبًّا شديدًا، وقال: أقول: قال رسول الله ﷺ وتقول: والله لنمنعهن

ولما رأى عبد الله بن المغفل المزني وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بعض أقاربه يخذف، نهاه عن ذلك وقال له: إن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الخذف وقال: «إنه لا يصيد ولا ينكأ عدوا ولكنه يكسر السن ويفقأ العين»(2)  ، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال: والله لا كلمتك أبدا أخبرك أن رسول الله ﷺ ينهى عن الخذف ثم تعود! 
وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل أنه قال: (إذا حدثت الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال).
وقال الأوزاعي رحمه الله: (السنة قاضية على الكتاب أو تقييد ما أطلقه، أو بأحكام لم تذكر في الكتاب كما في قول الله سبحانه: {
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(3)

من هذا كله نستخلص أهمية البحث في فهم السنة والعمل بها، وعدم مخالفتها، ومن ذلك ما يتصل بالتقعيد والمنهجية السليمة، ومن ثم الاقتداء بحال السلف الذين عملوا بالسنة في جميع شؤون حياتهم.
____________________________
(1) (صحيح البخاري[900]).

(2) (صحيح مسلم[1954]).

(3) [النحل: 44].



بحث عن بحث