الحلقة (12) حال السلف مع السنة (1-2)

 

لقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم ضرورة الالتزام بهدي النبي ﷺ. وهم الذين عاصروا التنزيل وعايشوه فما حادوا عن أمره ونهجه ﷺ وقفوا حيث وقف وساروا حيث سار يقول ابن عمر فيما: (إني ألفيت أصحابي على أمر، وإني إن خالفتهم خشيت ألا ألحق بهم).

وهذا معاوية لما طاف بالبيت قَبَّل الأركان كلها، فأنكر عليه ابن عباس فقال: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال ابن عباس: (إنما هي السنةفأنكر عليه الزيادة على فعل النبي ﷺ فالله سبحانه وتعالى لا يعظم الأعمال لكثرتها إلا أن تكون على منهج رسول الله ﷺ موافقة للسنة، وإن حسن العمل ما كان موافقًا للسنة).

وسار على هذا الهدي سلفنا الصالح أهل القرون المفضلة يحملون هذا العلم ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ظهر ذلك جليًا في منهجهم نقل الخطيب في كتابه الفقيه والمتفقه، وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في المدخل إلى السنن: (أن رجلًا قال للإمام مالك بن أنس: من أين أحرم؟ قال: من حيث أحرم رسول الله ﷺ قال: فإن زدت على ذلك؛ قال: فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وما في هذه من الفتنة، إنما هي أميال أزيدها. قال: فإن الله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1)قال: وأي فتنة في هذا؟ قال مالك: وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار رسول الله ﷺ، وقد بين الله تعالى مآل من يحيد عن هديه وسنته، فقال: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}(2)

جاءت الجدة إلى الصديق تسأله عن ميراثها، فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم أن رسول الله ﷺ قضى لك بشيء وسأسأل الناس ثم سأل الصحابة فشهد عنده بعضهم بأن النبي ﷺ أعطى الجدة السدس فقضى لها بذلك، وكان عمر يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله، فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله فبسنة رسوله ﷺ، ولما أشكل عليه حكم إملاص المرأة وهو إسقاطها جنينًا ميتًا؛ بسبب تعدي أحد عليها. سأل الصحابة عن ذلك فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة ابن شعبة بأن النبي ﷺ قضى بذلك بغرة عبد أو أمة فقضى بذلك.
___________________
(1) [النور : 63].

(2) [النساء: 115]).



بحث عن بحث