التأسي به صلى الله عليه وسلم ( 2 -4)

 

إن السيرة النبوية تجسيد حي لتعاليم الإسلام كما أرادها الله أن تطبق في عالم الواقع، فتعاليم الإسلام لم تنزل لتحصر بين جدران المساجد، وداخل أروقة بيوت العلم الشرعي وكلياته، بل تنزلت من الحكيم العليم لتكون سلوكا إنسانيا ومنهجا حياتيا يعيشها الفرد المسلم في نفسه وشخصه، ويدركهما في واقعه ومجتمعه، هذه التعاليم ينشأ في بحبوحتها الفرد، ويشب عليها فتصبح جزءاً لا يتجزء من كيانه، يتصرف على هديها في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل موقف وشأن، فالمبدأ النظري يرى ماثلا قائما في شخص صاحبه، وهذا ما نجده في السيرة النبوية حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجسم تعاليم الإسلام كما أرادها الله تعالى أن تطبق في عالم الأحياء والبشر، وذلك في جميع أحواله وظروفه، نوما ويقظة، سلما وحربا، جداً ومداعبة، غضبا ورضا، فردا وجماعة، فإذا ما فارق التربية الإلهية قيد أنملة جاءه التصحيح والتنبيه والتعليم من الله عز وجل.

ولذا فقد اجتمع في هذا الدين عظمة المبدأ، وجودة المطبق، ولم يبق لأحد بعد ذلك حجة يحتج بها، وأصبح أمام الناس أجمعين القرآن الكريم يتلى ومعه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تبين للناس كيف يتحول القرآن الكريم إلى سلوك عملي في الحياة يصلح الدنيا والآخرة.

وإن عظمة المبدأ – كما يقول العلامة سليمان الندوي – لا تغني عن وجود القدوة الحسنة، وإن أي نظرية مهما بلغت من الصحة والدقة، وإن تعليما مهما يكن رائعا، ويقع من الناس موقع الإعجاب، لا يغني ولا يثمر ثمره، ولا يبقى على الدهر إلا إذا كان له من يمثله بعمله، ويدعو إليه بأخلاقه وفضائله، ويعرفه إلى الناس بالقدوة والأسوة، فيقتدي الناس بدعاته عن طريق العمل بعد العلم، معجبين بسجايا هؤلاء الدعاة، معظمين لأخلاقهم، مكرمين طهارة قلوبهم، وزكاة نفوسهم.. والدين لا ينجح ويعلو وينتشر إلا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث به، وبما عرفه الناس عنه في شؤون حياته وفي أخلاقه وأعماله.

ولذلك فالسيرة جزء من هذا الدين، والتعريف بها تعريف بهذا الدين.

يقف الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطيبا في أول خطبة له بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتوليه الخلافة، يقول بعد حمد الله والثناء عليه: " إن الله تعالى نهج سبيله،وكفانا برسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق إلا الدعاء  والاقتداء ".

والاقتداء الشرط فيه: وضوح القدوة وصلاحيتها للاقتداء، ولقد كانت سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هي السيرة الوحيدة التي جمعت الخصائص الأربع المطلوبة التي يجدر بالناس أن يتخدوها قدوة في حياتهم، وهي:كونها تاريخية وجامعة وكاملة وعملية، فهي سيرة تاريخية، يشهد التاريخ بصحتها، وجامعة لجميع أطوار الحياة، وأصناف المجتمع، وجميع شؤون الحياة، وكاملة لا نقص فيها، وعملية فلم تكن قوليه فقط، بل قول من الداعي صلى الله عليه وسلم يصحبه عمل وتطبيق على نفسه، ولن نجد سيرة لفرد تصلح أن تكون للإنسانية أسوة سوى سيرة هذا النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم(1).


 


(1)      انظر: مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص 13، الرسالة المحمدية ص 8-67-68، فقه السيرة للدكتور زيد الزيد ص 7-9.

 



بحث عن بحث