آثار قيم الإسلام الخلقية في صياغة المجتمع المسلم (2- 8).

 

 

المبحث الأول: آثارها في السلوك

أولاً : من ســـــيرة الرسول صلى الله عليه وسلم :

  

إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي أفضل مثال للخلق الكريم والسيرة الحميدة، فقد تمثلت القيم الخلقية بشمولها في سيرته وتعامله,حيث وسع عليه الصلاة والسلام الجميع بخلقه وإحسانه ورحمته,حتى شملت ممارساته وتوجيهاته الخلقية ما لا يعقل من الدواب والطير(1) .

وحتى لا يطول المقام في ذكر الأمثلة والشواهد لتطبيقات القيم الخلقية من سيرته عليه الصلاة والسلام,سيكون الحديث عن أبرز صورها وآثارها,من خلال الحديث عن آثارها في خلقه مع ربه تبارك وتعالى,ثم مع أصحابه رضوان الله عليهم ثم مع المخالفين له.

خلقه مع ربه تبارك وتعالى :

لقد استشعر عليه الصلاة والسلام عظم المنة من الله تعالى عليه,فقابلها عيه الصلاة والسلام بأكمل مقتضياتها,من الشكر لربه,والقيام بأمره,والدعوة إلى سبيله,وتحمل المشاق لأجله,والصبر على الأذى فيه,وتقديم محابه,وتعظيم أمره والتواضع له,إلى غير ذلك من الأخلاق العظيمة التي عامل بها ربه وتقرب بها إليه.

 - ففي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قام حتى ورمت قدماه, فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا(2)  ".

قال ابن القيم: "الشكر سبيل رسل الله وأنبيائه صلى الله عليهم وسلم أجمعين,وأي مقام أرفع من الشكر الذي يندرج فيه جميع مقامات الإيمان,حتى المحبة والرضا والتوكل وغيرها.فإن الشكر لا يصلح إلا بعد حصولها وتالله ليس لخواص أولياء الله وأهل القرب منه سبيل أرفع من الشكر ولا أعلى(3)  ".

- ومن صور تواضعه لربه تبارك وتعالى,ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه دخل مكة يوم الفتح واضعا رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح,حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل(4)  .

- ومن خلقه مع ربه تبارك وتعالى الغضب له, فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط بيده,ولا امرأة ولا خادما,إلا أن يجاهد في سبيل الله, وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه,إلا أن ينتهك شيئا من محارم الله فينتقم لله عز وجل(5)  ".

- ومنها تعظيمه لأمر الله تعالى,ومعاملته للخلق وفق شرعه ومراده فكان اعطاؤه ومنعه,ومحبته وبغضه,ورحمته وشدته,ورضاه وغضبه,كل ذلك في الله ولله,كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: "كان خلقه القرآن(6)  ".

"وحقيقة المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر(7) ".

وبالجملة فقد قام عليه الصلاة والسلام بشكر مولاه بقلبه ولسانه وجوارحه بما لا مزيد عليه.


(1)  - سبق الإشارة إلى شيء من ذلك عند الحديث عن شمول القيم الخلقية,في الفصل الثاني من الباب الأول.

(2)  - انظر ابن حجر – فتح الباري (3 /14 ) والنووي,شرح صحيح مسلم (5 /684 )

(3)  - ابن القيم – مدارج السالكين (2 /249 ).

(4)  - ابن هشام – السيرة النبوية (4 /405 ) دار الكنوز الأدبية .

و العثنون : ما نبت على الذقن وتحته. مجمع اللغة العربية – المعجم الوسيط (2 /584 ).

(5)  - رواه مسلم,النووي شرح صحيح مسلم (5 /181 ).

(6)  - رواه أحمد وغيره,وقد سبق تخريجه.

(7)  - ابن تيمية, الفتاوى (10 /659 ).

 



بحث عن بحث