ضوابط قيم الإسلام الخلقية ( 9- 10).

 

 

 ثالثاً: الندب والتفضل.

الندب والتفضل في اللغة:

أ- الندب في اللغة: الدعاء, يقال ندب القوم إلى الأمر, يندبهم ندباً: دعاهم وحثهم(1) .

قال ابن فارس:" نَدَبَ: النون والدال والباء, ثلاث كلمات: إحداها الأثر, والثانية الخطر, والثالثة: تدل على خفة في الشيء, ومنه رجل ندب: خفيف, والندب: الفرس الماضي, وعندنا أن الندب في الأمر قريب من هذا, لأن الفقهاء يقولون: إن الندب ما ليس بفرض, وإن كان هذا صحيحاً فلأن الحال فيه خفيفة" (2) .

ب- التفضل في اللغة: الإحسان (3)  قال ابن فارس:" فضل: الفاء والضاد واللام أصل صحيح يدل على زيادة في شيء, من ذلك الفضل: الزيادة, والخير, والإفضال: الإحسان"(4) .

الندب والتفضل في الاصطلاح:

يعرف الأصوليون المندوب بأنه المأمور به أمراً غير جازم (5)  , أو هو المطلوب فعله شرعاً من غير ذم على تركه مطلقاً(6) .

أما التفضل: فهو الإحسان الأصلي, أو الزيادة على الواجب(7) ، فهو بمعنى المندوب(8) .

وُيعرَفُ المندوب بأن تكون صيغة الطلب دالة على عدم الإلزام، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (9)  قال الشافعي (10)  رحمه الله:" لو كان واجباً لأمرهم به شق أو لم يشق"(11)

كما يعرف المندوب, بوجود قرينة تصرف الأمر عن الوجوب مثال ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( يا أهل القرآن أوتروا)(12) , فإن الأمر فيه للندب بدليل قوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي جاء يسأل عن الإسلام: ( خمس صلوات في اليوم والليلة, فقال الأعرابي, هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)(13) .

أقسام المندوب:

يقسم المندوب إلى أقسام مختلفة من جهات عدة: فمن جهة المطلوب منه وهو المكلف ينقسم إلى مندوب عيني كالسنن الرواتب وكالسنن الواردة في الصلاة والأذكار بعدها ونحوها مما لا تسقط بفعل مكلف عن آخر, فمن تركها فقد خالف السنة, ومندوب على الكفاية كالسلام ابتداء من جماعة(14) , قال الزركشي(15) : سنة الكفاية يكون النظر فيها إلى الفعل من غير نظر إلى الفاعل (16) ، فالمقصود تحقق الفعل ووجوده.

كم ينقسم من حيث درجة الطلب إلى:

- مندوب متأكد الطلب, فهو سنة مؤكدة, كالسنن الراتبة والوتر ونحوهما مما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا تاركه مستحق للوم والعتاب.

- ومندوب مشروع فعله ولا يستحق تاركه لوماً ولا عتاباً كصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع وصلاة أربع قبل العصر وغيرهما مما فعله عليه الصلاة والسلام ولكن لم يداوم على فعله(17) .

وله تقسيمات أخرى غير ما ذكر(18) .


(1)  ابن منظور, لسان العرب (1 / 754) الفيروز آبادي, القاموس المحيط (1 / 131).

(2)  ابن فارس, معجم مقاييس اللغة (5 / 413) باختصار.

(3)  ابن منظور, لسان العرب (11 / 525).

(4)  ابن فارس, معجم مقاييس اللغة (4 / 508).

(5)  الشنقيطي, مذكرة أصول الفقه ص 16.

(6)  الآمدي, الأحكام (1 / 119).

(7)  عبد الرحمن بن سعدي: القواعد والأصول الجامعة ص 54, وانظر: الأصفهاني – الذريعة إلى مكارم الشريعة مراجعة طه عبد الرؤوف سعد ص 28, مكتبة الكليات الأزهرية ط1 سنة 1393هـ.

(8)  انظر: عبد الرحمن بن سعدي المرجع السابق ص 55-56.

(9)  متفق عليه, ابن حجر – الفتح (2 / 374)لانووي شرح صحيح مسلم (1 / 538-539).

(10)  هو محمد بن أدريس بن العباس القرشي المطلبي, أبو عبد الله الشافعي أحد الأئمة الأعلام مشهور, كثير المناقب توفي سنة 204هـ, سير أعلام النبلاء (10/5) تقريب التهذيب ص467.

(11)  النووي شرح صحيح مسلم (1/ 539).

(12)  رواه أبو داود وغيره, محمد أيادي – عون المعبود شرح سنن أبي داود (4 / 291) المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ط2 سنة 1388هـ.

(13)  متفق عليه وللفظ البخاري, ابن حجر الفتح (1 / 106) والنووي شرح صحيح مسلم (1 / 141).

(14)  انظر: الصنعاني, أصول الفقه ص 37-39.

(15)  هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي, فقيه شافعي عالم بالأصول توفي سنة 794هـ, الأعلام 6(/60).

(16)  الصنعاني- أصول الفقه ص 37.

(17)  عبد الوهاب خلاف أصول الفقه ص 112, دار القلم – الكويت ط14 سنة 1401هـ, وهبة الزحيلي, أصول الفقه الإسلامي (1 / 78).

(18)  انظر: الصنعاني – أصول الفقه ص 39.

 



بحث عن بحث