ضوابط قيم الإسلام الخلقية ( 2- 10).

 

 

1-    الحرام:

وهو ما نهى عنه نهياً جازماً, أو هو ما يذم فاعله ويلام شرعاً(1) .

- وللتحريم صيغ منها النص على الحرمة أو نفي الحل, كقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)[المائدة: 3], وقوله: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة: 230], ومنها النهي عن الفعل الخالي من قرينة صارفة عن التحريم, على خلاف فيه(2) , كقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم) [الأنعام: 151], وقوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) [الإسراء: 32], إلى غير ذلك من الصيغ(3) .

أقسام المحرم:

قسم الأصوليون المحرم إلى قسمين:

1-     محرم لذاته, كتحريم الشرك والزنا والسرقة.

2-     محرم لوصفه, وهذا على قسمين:

أ- محرم لوصفه القائم به, كالنهي عن الصلاة حال السكر، كما قال تعالى: (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)(4).

   ب- محرم لوصفه الخارج عنه:

وهو إما لازم له أو غير لازم, فمثال الوصف اللازم صوم يوم العيد.

ومثال الوصف غير اللازم الصلاة في ثوب حرير أو أرض مغصوبة (5) .

ومنشأ هذا التقسيم أن المنهي عنه إما أن تكون جهة النهي فيه منفردة. أي أنه لم تكن له جهة أخرى مأمور بها منها, كالشرك والزنا.

فالنهي عنهما لم يخالطه أمر من جهة أخرى, وهذا النوع واضح لا إشكال في أنه باطل على كل حال.

وإما أن تكون له جهتان, جهة مأمور به منها, وجهة منهي عنه منها(6) .

وهذا محل خلاف في القول ببطلانه من عدمه.

هذا التعريف موجز بهذين الحكمين الشرعيين, على أن الحلال والحرام اصطلاح يطلق ويراد به الأحكام الشرعية بجملتها وأقسامها المعروفة(7) , وهو المراد في هذا المبحث(8) .

أهمية الحلال والحرام:

إن الحلال والحرام في الإسلام هو الضابط لسائر جوانب الحياة الإنسانية, فقد جاءت التشريعات الإسلامية بما تحمله من صرامة وإلزام، وما تحققه من خير لترتفع بالإنسان إلى المقام الكريم الذي أراده الله له, ولتمحيص عبوديته لله بابتلائه ليتبين موقفه من الأمر والنهي, هل ينقاد في ذلك لشرع الله أم ينساق مع شهواته وهواه.

وقد كان الناس في الجاهلية يتخبطون في التحليل والتحريم ميلاً مع أهوائهم, فأحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله, فخالفوا الشرائع السماوية, وصادموا الفطرة الإنسانية, ومن مظاهر ذلك تحريمهم على أنفسهم كثيراً من الطيبات, وفي المقابل استحلالهم للكثير من الموبقات كما استحلوا قتل أولادهم, قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ{137} وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 137-138], إلى آخر ما ذكر الله تعالى عنهم.

ولم يكن هذا الضلال خاصاً بمشركي العرب, بل كان أهل الكتاب على هذا, فقد جعلوا سلطة التحليل والتحريم بأيدي علمائهم وعبادهم, كما قال الله تعالى عنهم: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)[التوبة: 31]. وقد قال عدي(9)  لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: إنهم لم يعبدوهم, فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه, وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه) (10).

ولما جاء الإسلام حدد هذه السلطة فجعل التحليل والتحريم من خالص حق الله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) [يوسف: 40], وحد من سلطة الإنسان في هذا لعجزه عن القيام بهذا الأمر الخطير وفقده للشروط الضرورية التي تؤهله للاضطلاع بهذه المهمة, هذه الشروط المتمثلة في:

- العلم بحقيقة الإنسان وطبيعته وخصائصه.

- العلم بما سيكون عليه في مستقبل حياته وما يستجد من ظروف معيشته.

- العلم التام بما يصلحه وما هو خير له وشر عليه على الإجمال والتفصيل, مع اختلاف الأوقات وتغير الأحوال.

وقد جاء في القرآن بيان لحال الإنسان وتقرير لضعفه وجهله وظلمه وفقده لهذه الشروط, وبالتالي عدم تأهله للتشريع وعجزه عن سن القوانين والأنظمة الصالحة مع الاستغناء عن شرع الله.

قال تعالى: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء: 28], وقال تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34], وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء: 85], وقال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان: 24], فهو جاهل بغده فضلاً عن مستقبل حياته, وقال تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1], وقال تعالى: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].

- وأيضاً فإن الإنسان يعرض له الخطأ والنسيان(11) , وهما يقعان منه من غير اختياره, ولذا كانا من الأعذار الشرعية التي يعذر الإنسان بها, ويرفع عنه الإثم في الأفعال الصادرة منه بسببهما(12) , كما في الآية: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة: 286], وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى استجاب دعاء المؤمنين وقال:( قد فعلت)(13)

   ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .(14) , ويقول عليه الصلاة والسلام في الخطأ: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران, وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) (15).


(1)  الغزالي, المستصفى (1 / 66) وانظر: الآمدي , الإحكام (1 / 113).

(2)  انظر: الشوكاني, ارشاد الفحول ص 109-110, مصطفى الخن, أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء, ص 334, وما بعدها, مؤسسة الرسالة بيروت ط2 سنة 1401هـ.

(3)  مصطفى الخن, أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 330-331.

(4)  سورة النساء الاية (43).

(5)  الآمدي, الأحكام (2 / 188 )وما بعدها, الغزالي, المستصفى (2 /25-31) على خلاف فيما هو لازم وما هو ليس بلازم من هذه الأوصاف.

(6)  الشنقيطي , مذكرة أصول الفقه ص 42.

(7)  الكاساني, بدائع الصنائع ج1 ص2, دار الكتاب العربي – بيروت, ط2 سنة 1402هـ, فقد قال عن علم الفقه: إنه المسمى بعلم (الحلال والحرام)

وانظر: الشاطبي – الموافقات (1 / 161).

(8)  ويأتي إن شاء الله تفصيل لبعض هذه الأحكام مما تمس إليه حاجة البحث.

(9)  عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي, أبو طريف, صحابي شهير, شهد فتوح العراق, مات سنة 68هـ, أسد الغابة (3/505) تقريب التهذيب ص338.

(10)  رواه الترمذي وغيره, المباركفوري, تحفة الأحوذي (8 / 492-493).

(11)  الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده, مثل أن يقصد قتل كافر فيصادف قتله مسلماً، والنسيان أن يكون ذاكراً للشيء فينساه – لا يستحضره- عند الفعل, ابن رجب, جامع العلوم والحكم ص 327 مكتبة الرياض الحديثة – الرياض.

(12)  ورفع الإثم لا ينافي أن يترتب على خطئه أو نسيانه حكم, كإعادة الصلاة إذا صلاها بغير وضوء ناسياً، وكضمان مال غيره إذا أتلفه خطأ, انظر: المرجع السابق ص 327 – 328.

(13)  رواه مسلم, وتقدم تخريجه.

(14)  رواه ابن ماجة وغيره, سنن ابن ماجة (1/695) والحديث حسنه النووي وسكت عنه الحافظ, انظر: ابن حجر – تلخيص الحبير (1 /281)بتعليق عبد الله هاشم اليماني, المدينة المنورة 1384ه.

(15)  رواه البخاري, انظر: ابن حجر – فتح الباري ( 13 / 318)

 



بحث عن بحث