خصائص قيم الإسلام الخلقية ( 4- 10).

ثانياً: أنها عبادة لله تعالى.

العبادة في اللغة: الطاعة, وأصل العبودية الخضوع والتذلل.

والتعبيد: التذليل, وطريق معبد: أي مذلل, وعبّده: ذلّله, يقال: عبّد الطريق وعبّد البعير(1).

أما العبادة في الشرع: فهي مع غاية الذل, كمال المحبة لله تعالى, قال شيخ الإسلام: "العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى المحبة، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له"(2).

أما عن مجال العبادة وحدوها فهي شاملة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة, فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وأمثال ذلك من العبادة.

 وكذلك حب الله ورسوله, وخشية الله والإنابة له وإخلاص الدين له, وأمثال ذلك من العبادة(3).

وما يتقرب به إلى الله ويتعبد له به هو ما يحبه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهو كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المأمور به أمر إيجاب أو استحباب" (4).

وقيم الإسلام الخلقية متحقق فيها هذا الأمر فهي دائرة بين الوجوب والندب, وهي مما يحبه الله ويرضاه, فهي بالتالي عبادة وقربة يتقرب بها إليه.

وقد ذكر العلماء أنه يشترط لقبول العمل شرطان هما: الإخلاص والمتابعة, والإخلاص هو أن يبتغى بالعمل وجه الله, وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى) (5), وأما المتابعة فيقصد بها موافقة السنة بالتعبد لله تعالى بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (6).

ومما جاء عن السلف في هذا, ما روي عن الحسن(7) وسعيد ين جبير (8) رحمهما الله تعالى قالا: "لا يقبل قول ولا عمل إلا بنية, ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة"(9).

   وقال شيخ الإسلام رحمه الله:" العبادة لها أصلان: 

أحدهما: أن لا يعبد إلا الله.

والثاني: أن لا يعبده إلا بما أمر وشرع,  لا يعبده بغير ذلك من الأهواء والظنون والبدع, قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً  ([الكهف:]

فالعمل الصالح: هو الإحسان، وهو فعل الحسنات, والحسنات هي ما أحبه الله ورسوله, وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب, أما قوله: (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) فهو إخلاص الدين لله وحده(10).

وفيما يتعلق بلزوم تحقق شرطي قبول العمل وهما الإخلاص والمتابعة في قيم الإسلام الخلقية, أما الأول وهو الإخلاص لله فلا إشكال في وجوبه فلابد من الإخلاص لله تعالى والرغبة فيما عنده لا طلباً لمحمدة أو استحسان أو غير ذلك, بل كل مقصد آخر سوى الله تعالى فهو محبط للعمل مبطل للثواب, كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَمِنْقَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّمِنَالْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65], وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: (من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) (11), والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.

أما العنصر الآخر وهو المتابعة, فإن القيم الخلقية في الغالب ليس لها أساليب محددة أو نماذج معينة لابد من ممارسة القيمة من خلالها بل إن الأمر واسع في الوسائل والقوالب التي تصاغ وتمارس من خلالها القيمة الخلقية, والشرط المهم هنا أن لا تكون الوسيلة محرمة أو مشتملة على محرم.

 فالشورى قيمة خلقية متعينة, قال الله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَشَاوِرْهُمْفِي الأَمْرِ) [آل عمران:159], وقال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى: 38], فلا يجوز إهمال هذه القيمة أو إلغاؤها في الحياة السياسة والاجتماعية, أما طريقة القيامة بها, فيستطيع المؤمنون في كل عصر أن ينفذوا ما أمر الله به من الشورى بالصورة التي تناسب حالهم وأوضاعهم, وتلائم موقعهم, دون قيد يلزمهم بشكل جامد

وكذا القول في العدل والنصيحة وجملة من القيم الخلقية غيرها.

ومن آثار هذه الخصيصة أن قيم الإسلام الخلقية من الأعمال الفاضلة ومن الأبواب الواسعة للظفر بأعلى المنازل وأرفع الدرجات, بل القيام بالواجب المتعين منها كالعدل والصدق ونصر المظلوم ونحو ذلك, أفضل من نوافل العبادات من صيام وصلاة, كما قال عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى قال: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه) (13).

بل حتى ما كان منها مستحباً هو أفضل من غيره من النوافل, فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق, وأن الله يبغض الفاحش البذيء) (14).


(1) ابن منظور, لسان العرب ( 3 /270), وما بعدها, الفيروزي, القاموس المحيط (1 / 311), مجمع اللغة العربية, المعجم الوسيط (2 /579)

(2) ابن تيمية, العبودية ص 44مختصراً, المكتب الإسلامي ط5 سنة1399هـ.

(3) المرجع السابق ص 38.

(4) المرجع السابق ص 70.

(5) متفق عليه, ابن حجر, فتح الباري (1 /9), النووي شرح صحيح مسلم (4 /571-572).

(6) رواه مسلم, النووي شرح صحيح مسلم (4 / 313).

(7) هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري, مولى الأنصار تابعي فقيه فاضل مشهور, مات سنة 110هـ, وقد قارب التسعين, سير أعلام النبلاء (4/563), تقريب التهذيب ص160.

(8) سعيد بن جبير الأسدي الكوفي من الموالي, فقيه مفسر, قتله الحجاج سنة 95هـ ولم يكمل الخمسين, سير أعلام النبلاء (4/321), تقريب التهذيب ص321.

(9) ابن تيمية: الحسبة ص 111, ولفظ الحسن: لا يصلح مكان لا يقبل.

(10) ابن تيمية, العبودية ص74-75 مختصراً.

(11) رواه مسلم, النووي شرح صحيح مسلم (5 /735)

(13) رواه البخاري: ابن حجر, فتح الباري (11 / 340-341).

(14) رواه الترمذي وغيره, وقال الترمذي حديث حسن صحيح, المباركفوري، تحفة الأحوذي (6/140-141), وانظر: الألباني ، سلسلة الأحاديث الصحيحة (2 / 562).



بحث عن بحث