الحلقة (15) مصادر قيم الإسلام الخلقية - المصادر الأصلية-(8-9).

 

ثالثاً: السنة.

السنة في اللغة:

   السنة: الطريقة, والسيرة حميدة كانت أو ذميمة (1), كما قال عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء) (2).

السنة في الاصطلاح:

   هي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم , من قول , أو فعل , أو تقرير, كذا عن الأصوليين, ولها اطلاقات أخرى عند غيرهم (3).

ومن خلال التعريف يظهر أن السنة تستفاد من ثلاث جهات:

- من أقواله عليه الصلاة والسلام, مثل قوله: (إنما الأعمال بالنيات...) (4), وقوله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (5) إلى غير ذلك.

- ومن أفعاله عليه الصلاة والسلام, مثل أدائه للصلوات ومناسك الحج والعمرة ونحو ذلك.


 

 

- ومن تقريراته لما صدر من بعض الصحابة من أقوال وأفعال, بسكوته عنها وعدم انكاره لها, أو بموافقته واستحسانه, مثال ذلك ما رواه أبو سعيد(6) وجابر(7) بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما, قالا: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض(8).

وقد ذكر العلماء أن بيان السنة للأحكام على ثلاثة أنواع:

1- أن تأتي موافقة للقرآن دالة على مادل عليه, وفي هذا تأكيد للحكم, ومثال ذلك الأحاديث الدالة على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج دون تعرض لشروطها وأركانها, فإنها موافقة للآيات التي وردت في ذلك.

   ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) (9), فإنه موافق لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }(10) إلى غير ذلك.

2- أن تأتي السنة مبينة لأحكام القرآن, ومن تقييد مطلق, أو تفصيل مجمل, أو تخصيص عام, كالأحاديث التي فصلت أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج, ومن تقييد المطلق (11) ماجاءت به السنة من عدم القطع للسارق إلا فيما بلغ ربع دينار فصاعداً, كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) (12), فهذا مقيد للإطلاق في قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (13).

3- أن تكون زائدة على مافي القرآن, وذلك بأن تستقل السنة ببيان أحكام سكت عنها القرآن, فيكون مصدرها السنة, كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها, وتحريم الحمر الأهلية, وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وغير ذلك مما جاءت السنة ببيان حكمه(14).

حجية السنة:

   لقد دل القرآن الكريم على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر من مخالفته, كما اتفق المسلمون منذ الصدر الأول على حجية السنة ووجوب العمل بمقتضاها.

- فمما جاء القرآن الكريم:

   قول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (15), وقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (16), وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (17).

   وقال سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (18), وقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(19).

   والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً, وهي تدل دلالة واضحة وصريحة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته في حكمه.

- وقد اتفق المسلمون على وجوب اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج فيما استقلت السنة ببيانه(20).

   قال الشوكاني(21): "إن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلا من لاحظ له في دين الإسلام"(22).

 


(1) الفيروز آبادي: القاموس المحيط (4/237), - مجمع اللغة العربية – المعجم الوسيط ص 456.

(2) أخرجه مسلم,  صحيح مسلم بشرح النووي (5/531).

(3) الشوكاني – أرشاد الفحول ص33, دار الفكر – بيروت, عبد الوهاب خلاف – علم أصول الفقه ص 36 – 37, نشر دار القلم ط14 سنة 1401هـ.

(4) أخرجه البخاري ومسلم, ابن حجر– فتح الباري (1/9), النووي– شرح صحيح مسلم (4/571-572).

(5) أخرجه البخاري ومسلم, ابن حجر – المرجع السابق (1/53), النووي – المرجع السابق (1/214).

(6) سعد بن مالك الخزرجي الأنصاري, استصغر يوم أحد من المكثرين في الرواية مع فقه وفضل, مات سنة 63هـ, وقيل غيرها, الإصابة (2/32) تقريب التهذيب232.

(7) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة ومات بالمدينة بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين.

الإصابة 1/214, تقريب التهذيب 136.

(8) أخرجه مسلم, صحيح مسلم بشرح النووي (3 /177).

(9) أخجره أحمد وأبو داود والترمذي, أحمد البنا – الفتح الرباني (19/93).

(10) سورة النساء (58).

(11) انظر: الشوكاني – نيل الأوطار (7 /299-300), نشر وتوزيع إدارة البحوث العلمية والافتاء – الرياض.

(12) أخرجه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه – النووي – شرح صحيح مسلم (4/258) مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية, المنتقى من أخبار المصطفى(2/720), تعليق محمد حامد الفقي دار المعرفة – بيروت ط2 سنة 1398هـ.

(13)سورة المائدة (38).

(14) الشافعي – الرسالة ص 91 – 92, بتحقيق أحمد شاكر.

(15) سورة آل عمران (132).

(16) سورة النساء (80).

(17) سورة النساء (59).

(18) سورة النساء (65).

(19) سورة الحشر (7).

(20) ابن تيمية – مجموع الفتاوى (19/86), دار العربية للطباعة والنشر, بيروت.

(21) محمد بن علي بن محمد الشوكاني فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن, ولد سنة 1173هـ وتوفي سنة 1250هـ, الأعلام (6/298).

(22) ارشاد الفحول ص 33.

 



بحث عن بحث