مصادر قيم الإسلام الخلقية - المصادر الأصلية-(2-9).

 

الفطرة والضمير في الاصطلاح:

1- الفطرة:

   جاء الحديث عن الفطرة في قول الله تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(1).

  كما جاءت السنة بالحديث عن الفطرة, ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسانه)كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ حتى تكونوا أنتم تجدعونها، ثم قرأ أبو هريرة -رضي الله عنه- :{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}(2) (3).

  وقد اختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال, فقيل: يولد على الفطرة أي على الإسلام, وقيل: على الإقرار بمعرفة الله تعالى, وهو العهد الذي أخذه الله على بني آدم وهم في أصلاب آبائهم, كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (4), وقيل: يولد على الفطرة أي على السلامة من كل اعتقاد, فلا يولد على كفر ولا إيمان(5).

  وظاهر القرآن والسنة أن المقصود بالفطرة اقتضاء الإسلام والميل إليه والرغبة فيه يدل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الانحراف عارض للمولود بسبب خارج عنه, وأشار إلى أقوى هذه الأسباب وهما الأبوان, ولم يقل يسلمانه, لأن الإسلام مستقر في نفسه, ويدل على هذا أيضاً حديث عياض المجاشعي(6) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ( خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم, وحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا) (7).

  قال ابن القيم: "دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرهم ومقتضاها يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه ويقتضي حصول ضده، وأن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع فإذا لم يوجد فهو لوجود منافيه لا لعدم مقتضيه ولهذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لوجود الفطرة شرطاً بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال: (فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه(8))" (9).

 


(1) (2) سورة: الروم (30).

(3) متفق عليه, انظر: ابن حجر – فتح الباري ح11, ص 493- النووي – شرح صحيح مسلم ج5, ص 512.

(4) سورة: الأعراف (172).

(5) انظر تفصيل ذلك في: القرطبي – الجامع لأحكام القرآن ج 14, ص 25 وما بعدها, - ابن القيم – شفاء العليل ص 283, وما بعدها مكتبة الرياض الحديثية ط1 سنة 1323هـ - البغوي – شرح السنة, تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط ج1, ص 157, المكتب الإسلامي ط1, سنة 1390هـ.

(6)  عياض بن حمار التميمي المجاشعي صحابي سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين, انظر: الإصابة (3/48), تقريب التهذيب 437.

(7)  أخرجه مسلم, النووي – شرح صحيح مسلم ( 5 / 716).

(8)  متفق عليه, وقد سبق تخريجه.

(9)  ابن القيم – شفاء العليل ص 302- 303.

 

 



بحث عن بحث